تأملات في إعلانات بنك مصر ومساراتها العاطفية

لا يسع المشاهد العادي والراصد المتذوق أو المتخصص للمشهد الإعلاني على مر السنوات وبالذات في السباق الرمضاني -المصري- السنوي المحموم أن إعلانات بنك مصر تتميز عن غيرها من إعلانات البنوك بسيل عارم من التملق والنفاق والمداهنة والمديح الممجوج للشعب المصري! واستدرار العطف ولفت الانتباه بالأغاني والألحان والكلمات وهو نهج مألوف في هذا الجانب من العالم الذي يحل مشاكله بالأغاني!

 في كل عام؛ ومنذ سنوات طوال، وفي شهر رمضان الكريم يمطروننا بالحملات الرمضانية التي تتملق الشعب الذي يتحمل! وأنه "معافر" وأنه "لا يُقهر" وأنه "مذهل" وانت ايه؟ ومصنوع من إيه؟... وبلا بلا بلا ؛ وماذا يعني ذلك في سياقهم المصرفي ، هل يعني ذلك التملق المقيت؛ تحمل الناس لخدمات البنوك الحكومية المضيعة للوقت والجهد والمال والجهات الحكومية عديمة الكفاءة في غالب الأحيان إلا من رحم ربي؟! 



عام بعد عام، وفي كل رمضان، حملات إعلانية بأغاني واستعراضات مشابهة مثل: هو ده المصري  الأصيل 2015؛  انت تقدر 2018 ؛ بنك مصر ابن مصر 2019 ( وكان الأمر مبلوعاً باعتباره البنك الوطني الأول في البلاد- وجرى تشخيص البنك باعتباره الإبن للأم مصر) ؛ وبعدها انزلق البنك في دوامة التملق العاطفي، "واديله في بوزه":   (إنت النسخة الأصلية..إنت استثنائي 2020) ، ( يا معافر كمل للآخر 2022 )؛ والتي سمعها بعض من الناس : " يا معفن!" ههه ؛ ") جوايا نور ماينطفيش"  2023 )؛ (عاش. بنك مصر 2024)؛  (إعلان بنك مصر “مذهل- مدهش” 2025 )


نماذج ناجحة أخرى

لماذا كل ذلك التملق؟ لماذا المسار العاطفي أصبح هو المسار الرسمي لإعلانات هذا البنك كل عام بلا أي أمل في أن نرى شيئاً مختلفاً في المستقبل القريب؟ بدلاً من البحث عن أفكار جديدة تلفت الانتباه والأمثلة الناجحة كثيرة – ومنها نماذج البنوك المتخصصة كإعلانات البنك الزراعي ( وحملة محمد أبو هليلة) التي أراها لاقت نجاحاً؛ وكذلك حملة (بنك التعمير والإسكان) التي تحاول بحملات اعلانية الخلاص من صورة نمطية بسبب تخصص البنك أو اسمه الذي يتخصص في مجال معين ويحجب المجالات المصرفية العادية- رغم تواجدها بالبنك مما يؤدي إلى خسارة شرائح كبيرة من السوق المصرفي لصالح البنوك الأخرى. وكذلك البنوك المصرفية الخليجية التي تركز على سهولة فتح الحسابات افتراضياً بدون الحاجة لبيروقراطية الذهاب للفروع التي تميز البنوك الحكومية كالبنك الأهلي وبنك مصر وغيرها. 

والآن نجيب عن السؤال : لماذا قد تلجأ البنوك إلى السردية العاطفية في الدعاية والإعلان؟ (التبرير من وجهة نظر البنوك)

الاعتماد على الجانب العاطفي في الحملات الإعلانية يستهدف مشاعر الإنسان مثل الثقة، والأمان، والأمل، والحنين، بهدف خلق رابط قوي بين العلامة التجارية والجمهور. وعلى الرغم من أن البنوك تمتلك طرقًا أخرى للترويج مثل التركيز على الأرقام أو المزايا العملية للخدمات، إلا أنها غالبًا ما تلجأ إلى السردية العاطفية لأن القرارات المالية ترتبط بشكل وثيق بالحياة الشخصية، والأهداف المستقبلية، والعائلة. ومن خلال تبني القيم العاطفية، تتمكن البنوك من بناء الثقة، وتقديم صورة إنسانية لخدماتها، والتميّز في سوق مزدحم. وتُعد هذه الاستراتيجية وسيلة فعالة ليس فقط لجذب الانتباه، بل أيضًا لتعزيز الولاء طويل الأمد، وهو أمر حيوي في قطاع يعتمد بشكل كبير على الاحتفاظ بالعملاء.

أما في واقع عالم الدعاية والإعلان - حسبما رأيت وعاصرت من خبرة سنوات في المجال الإعلاني الإقليمي- فاللجوء إلى السردية العاطفية في حملات  الدعاية والإعلان حسبما عاصرت  كان له مبرراته وهي وباختصار:

  أنه يكون الملاذ الأخير في حالة "الإفلاس"  الإعلاني والعقم عن توليد فكرة عبقرية مبتكرة جديدة تقنع مجالس الإدارات المتعنتة بقبول حملة إعلانية ما أو توقيع عقد جديد مع وكالة إعلانية ما؛ أو تقديم المسار العاطفي كمحفز جانبي عند الرغبة في دفع فكرة إعلانية جديدة أو مختلفة ليقبلوها إذا ما قورنت بالتقليدية الأخرى.

ومن هذا  المنطلق ننصح إدارات التسويق والاتصالات بالبنك المذكور عاليه أنه في حال لم يجدوا أفكار جديدة بخلاف المسار العاطفي، فالتركيز على الخدمات وتوسع القنوات الرقمية والتسهيلات في المعاملات وغيرها، في رأي العقلاء،  هو أكثر فائدة من تلك الاعلانات التي لا تتبنى سوى المسار العاطفي.

وها قد انتهى رمضان بإعلاناته "الشوفينية" ومساراته العاطفية وأغانيه التي تعتمد على نجاح المطربين الذين هم في غالبيتهم من "حليقي الرؤوس"! وجمهورهم العريض بين شباب هذه الأيام؛ وإذا بنا أمام حملة (مدام رسوم! إجازة ستين يوم! 2025 ) فكرة وعبارة تفوح بالبيروقراطية المقيتة التي لا أمل في الخلاص منها في واقعنا! دراما وحوارات في دائرة البيروقراطية، مدام رسوم، وراجعالكوا تاني! وهذا الملل!

ردود الأفعال

الغريب، إنه مع ثقل ظل تلك الحملات وتكرار فكرتها وكأنهم مصرون على هذا المسار، إلا أن الأخبار التي تنشر تقول أن هذه الإعلانات كانت الأعلى مشاهدة وحازت على أفضل المشاهدات في رمضان! وجوجل تصنفها الأعلى مشاهدة في رمضان وخلافه! ويوتيوب تجد الكثير من التعليقات المشجعة من الجمهور المستهدف وغير المستهدف" الذين "يغرهن الثناء" والإخوة العرب الذين يحبون الأغاني المصرية وهم كثر! 

وقد رصدت جريدة الوفد تلك الحالة : من مشاركة المغني ذائع الصيت تامر عاشور في حملة بنك مصر بعنوان: تامر عاشور بطل إعلان بنك شهير| الجمهور: "هيجيلي مديون" – الوفد ؛ كما في هذا الرابط:   https://www.alwafd.news/5546904 حيث يقول نص الخبر:

 "أثار إعلان أحد البنوك الشهيرة على انضمام النجم تامر عاشور للحملة الإعلانية الخاصة بشهر رمضان القادم 2025، حالة من السخرية على السوشيال ميديا، ما أدى إلى انتشار منشورات وتعليقات فكاهية تتماشى مع كلمات بعض أغانيه الشهيرة بعد هذا الإعلان."

وفي الختام، توصية:

هذه الحملات الإعلانية العاطفية التي تلعب على الاستمرار في حلب المسار العاطفي واستدرار العطف والضحك على الذقون! كفى من ذلك المسار – رغم نجاحه الظاهر بين الناس من كثرة المشاهدات المليونية  بسبب الأغاني - مخدرات العقل- وسيطرتها على العقول والعواطف- إلا أنه من الأفضل التغيير بعد كل تلك السنوات من حلب نفس المسار العاطفي حتى لا تصبح إعلانات هذا البنك بعد فترة من الزمن blind spot أو "نقطة عمياء" لا يلتفت إليها المشاهد من كثرة تكرارها. 


إقرأ أيضا: عواطف للبيع: إعلانات السجائر في الثمانينات واحتياجات المرأة النفسية والاجتماعية - بنسون آند هيدجيز

إقرأ أيضا: إعلانات سجائر مارلبورو: رحلة الصعود الكبرى

إقرأ أيضا: الجمل چو: قصة الجمل الساحر الذي دفع الشباب والرجال إلى عالم التدخين  - قصة سجائر كاميل

إقرأ أيضا: كيف أطلقت شركة سجائر كاميل أول حملة إعلانات تشويقية عام 1913

إقرأ أيضا: لماذا لا تعلن وكالات الإعلانات عن نفسها مثل بقية الشركات؟




شارك الموضوع وتابعنا على الفيسبوك (عوالم منسية) أو تويتر أو  اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك  |للتعليق:  اضغط على "إضافة/إرسال تعليق" أسفل المقالة

 إعداد: المنسي
للمراسلة: enbee.info@gmail.com

غير مصرح بنقل الموضوع أو الاستعانة بالمادة لعمل فيديوهات إلا بعد موافقة الكاتب.

ما هي كلمات إعلان بنك مصر 2025؟
من الذي مع تامر عاشور في إعلان بنك مصر؟
كم راتب مدير فرع بنك مصر؟
ما هي الشهادات الجديدة في بنك مصر 2025؟
تسجيل دخول بنك مصر
حجز بنك مصر اون لاين
خدمات بنك مصر
سعر الريال اليوم بنك مصر
خدمة الموبايل البنكي بنك مصر
سعر الدولار بنك مصر
بنك مصر خدمة العملاء
أسعار العملات في مصر اليوم

تعليقات

إقرأ أيضا الموضوعات الشهيرة الأخرى

نجمات "بورنو" شهيرات يكشفن حقيقة الأفلام الإباحية –(الحلقة الأولى)

تقييم مستهلك: مروحة نوتيكال Nautical استاند 18 بوصة (مصر - 2016)

نافذة على العالم:: رحلة إلى تايبيه الجديدة، تايوان، 15 يونيو 2025

قصة الراهبة المصرية التي أسلمت على يد النبي محمد عام 1970

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الرابعة)

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الأولى)

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الثالثة)

7 حقائق لا يعرفها الكثيرون حول مسلسل "ماكجيفر" الشهير

طريقة تغيير قلب خلاط المياه الهاند ميكسر بنفسك في البيت بدون الاستعانة بسباك

إعادة اكتشاف فيلم الحافلة التائهة (1957): رحلة في أعماق النفس البشرية