إيمان البسطاء أم إلغاء العقل؟ تأملات من معبد الجرذان الهندوسي في الهند
في عالمنا اليوم، أصبح من السهل أن نرى ممارسات ومعتقدات من ثقافات أخرى عبر الإنترنت، فتدهشنا أو تصدمنا. مؤخرًا، شاهدت فيديو وثائقي على قناة كريم السيد على يوتيوب بعنوان:
"في الهند بيعبدوا البقر والقرود والفئران - أغرب المعتقدات"
يعرض الفيديو معبدًا في الهند تُعبد فيه الجرذان، ويُقدم لها الطعام والحليب ويُعاملها الناس ككائنات مقدسة، رغم أكوام براز الفئران وبولها المنتشر في كل مكان، المكان كله بؤرة لانتشار الأوبئة، والكل لا يبالي!
كإنسان مؤمن — سواء كنت مسلمًا تؤمن بنظافة
الجسد وطهارة المكان، أو مسيحيًا يرى أن الجسد هيكل للروح القدس، أو غيرها من الديانات التي تعتنق سبيل التطهر مثل الصابئة أو حتى إنسان عصري يحيى لرفاهيته وصحة جسده وروحه — يصعب تقبّل هذه
المشاهد دون أن تطرح على نفسك تساؤلات جوهرية: هل هذا إيمان حقيقي أم غفلة تجاوزت
الفطرة السليمة؟
معبد كارني
ماتا: حيث تُقدّس الجرذان
يقع معبد كارني ماتا في ولاية راجستان بالهند، ويضم آلاف الجرذان التي يُعتقد أنها أرواح متجسدة لأتباع قديسة هندوسية تدعى كارني ماتا. في الفيديو، رأيت كيف يطعم الزوّار الجرذان، ويشربون الحليب الذي لعقته أفواهها، بل ويعتبرونها مصدرًا للبركة - البركة السهلة التي تأتيك بلا مجهود منك! :) - إن مشت فوق أقدامهم.
تقديس الحيوانات: بين الرحمة والمبالغة
نرى أيضًا هنا وهناك ممارسات أخرى كجمع بول الأبقار وشربه – بل ورأيت في فيديو آخر – شاب هندي "مغفل" يتحدى في كِبر أبله - يأتي على كومة من روث البقر في الشارع، فيحضر معه كوب من الماء وبرطمان من السكر، فيأخذ ملعقة كبيرة من الروث ويذيبها في الماء ويضع ملعقتين من السكر وكأنه قد أعد كوباً من الشاي ثم بدأ في شربه!!!! وهو ينظر إلى الكاميرا!
فضلاً عن معابد القردة المكرسة لها التي يستحم المتبركون بمائها الآسن طمعاً في محو الذنوب ، وترك القرود تعبث في المعابد والشوارع لأنها "مقدسة". والأبقار التي تسرح بلا رقيب في شوارع الهند وأسواقها وتأكل من خضار البائعين الغلابة وهي آمنة من العقاب فتسيء الأدب.
من المعلوم أنه قد أوصت الديانات بالرحمة والرفق بالحيوان، لكن تقديسها شرك وقلة عقل، وأن ربطها بطقوس غريبة أو خرافات يناقض العقل السليم كما أراده الخالق.
تناقض
لافت: كيف يتعايش الذكاء الخارق مع الخرافة الواضحة؟
ما يزيد من حيرتي حقًا هو هذا التناقض الصارخ: الهند بلد مليء بالعقول اللامعة. يكفي أن نعلم أن كبار شركات التكنولوجيا العالمية مثل شركة "جوجل" و "مايكروسوفت وغيرها ويقودها مديرون تنفيذيون من أصول هندية. هنالك علماء، مهندسون، مصرفيون، وأصحاب شركات ناشئة يهيمنون على أسواق العالم، وطلاب هنود يحتلون المراتب الأولى في الجامعات الدولية. كيف يمكن لكل هذا الذكاء أن يتعايش مع معتقدات دينية تُناقض أبسط قواعد العقل والمنطق؟
سألت نفسي كثيرًا: لماذا لا يشكّ
هؤلاء في طقوس تشبه الأساطير، أو في تقديس الجرذان والأبقار والقرود والثعابين والأشجار والسحرة وكل شكلٍ من أشكال عِوَج الخِلقة أو الشذوذ عن الطبيعي والمشعوذين والنصابين الجامعين للمال من كل شكل ولون؟ كيف يمكن
لمجتمع في بلد حر، يُفترض أن فيه حرية فكر، أن يستمر في تمجيد ما يبدو - في أعيننا
- خرافات لا تصمد أمام أي تفكير نقدي؟
ولعلّ جانب الاحتفالات والأجواء
المرحة في الطقوس الدينية الهندوسية يلعب دورًا كذلك. فالدين هنا ليس عبادة
صارمة فقط، بل مزيج من الطقوس والمهرجانات والرقص والألوان طوال العام. إنه دين ممتع
اجتماعيًا، يسهل أن تحبه أو تتعلّق به شعوريًا، حتى لو كان فكريًا هشًّا.
متى يصبح
الإيمان غفلة أو إلغاء متعمد للعقل؟
الفرق كبير بين الإيمان الواعي
والغفلة العمياء. الإيمان الحقيقي يُنير القلب والعقل معًا، يدعو للتأمل، وتنظيف الأجساد والأماكن والقلوب، وللإحسان، والاتصال بالخالق الحق ينمي البصيرة التي تميز بين ما هو روحي وما هو خرافة.
ما شاهدته في هذا الفيديو لم يكن مجرد
تديُّن مختلف عن المعتقدات السماوية، بل تديُّن فقد توازنه، فصار يقدّس الجرذان والثعابين بل والحشرات، ويُغض
الطرف عن الضرر الصحي والبيئي والروحي، طالما أنك تغذي النزعة الدينية الفطرية بشكل يرضي أهواءك- ولا تثريب عليك.
ختامًا:
دعوة للتفكر لا للإدانة
هذا المقال ليس هجومًا على أحد، بل
دعوة للتفكر. نحن كأهل كتب، مؤمنين بالله وبالرسل، لا ينبغي أن نحتقر أحدًا فالايمان الصحيح نعمة يهبها الله، لكن من واجبنا
أن نميز بين ما هو إلهي، وما هو موروث بشري بحاجة للمراجعة - إنه الأيمان الأعمى الأصم.
اللهم أرِنا الحق حقًا وارزقنا
اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
شارك الموضوع وتابعنا على الفيسبوك (عوالم منسية) أو تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك |للتعليق: اضغط على "إضافة/إرسال تعليق" أسفل المقالة |
تعليقات