نَدَبات الروح (ثلاث قصص قصيرة)
ندبات
أسرعت بي أمي إلى الشيخ الذي
يقوم بتحفيظ القرآن الكريم في مسجد الحي وصرخت في وجهه بعصبية :
سيدي لماذا لطمت وجه
الصبي؟
-
الأنه سأل أين يسكن الله ؟
-
وماهو طعامه و شرابه؟
-
هل لطمته لأن سؤاله أكبر من سعه صدرك؟ أو لصعوبة إيجاد
الرد في عقلك؟
-
أم لأنك قد سمعت انه يتيم وان أمه شابه جميله، قد ترملت ولم يدع أحدُ في الحي فرصة إلا واستغلها ليخوض
في سيرتها وعرضها!!.... فلطمته لأنك تعلم تماماً أني سأهرول إليك مُسرعه لاستجلاء
الحقيقة ؟
-
هل استمتعت بنجاح خطتك في رؤية تلك الأرملة الشابة ؟؟؟
لم
يستطع الشيخ الدفاع عن نفسه أمام سيل الطلقات الكلامية التي خرجت من فم أمي..سوي
بقول كلمات واهية من نوعيه: إبنك دائم التشويش على زملائه بكثرة المقاطعة والأسئلة
المحُرجة.... واضح أنه محتاج لأب ليقوم بتربيته والأم لن تستطيع وحدها أن .....
لم
تتوقف أمي لسماع ما يقول بعد أن تجمهر عدد غفير من الناس،،، فهمت رغم حداثة سني
أنهم لم يتجمعوا للمساعدة بشكل أو بآخر، بعد أن رأيت كيف تنهش أعينهم الفضولية جسد
أمي رغم احتشامها التام خلف حجابها بل أن بعضهم وجه ألفاظا نابيه لأمي في محاوله
فجه وغير مبررة للدفاع المُستميت عن الشيخ ضد أمي المسكينة..
استدارت
بي في كبرياءً مجروح وقد هممنا بالذهاب... فقالت بصوت تخنقه دموعها المحبوسة:
- فلتصمت ياصغيري ...من الآن فصاعدا؛ ...فلو تلقيت لطمة علي كل سؤال تسأله، لما بقي في وجهك موضع بدون ندبات.
----------------
حالة ضجر
رد جاري الطبيب قائلاً:
-
هون على نفسك يا صاحبي...فوالله ما يدعون لي خمس
دقائق أتأمل أو أذكر الله في نفسي.. فدائما هناك من يحتاج إلى استشارة طبية مجانية
في أي وقت وفي أي مكان دون احترام لحق الطبيب في خلوة أو تمشية بسيطة بدون استرجاع
ما تم دراسته في إعدادي كليه الطب...
ما أن هم بارتداء الحذاء
للخروج من المسجد حتى استوقفه احدهم:
-
السلام عليكم يا دكتور والله ليا استفسار... لامؤاخذة
(المرة) عندي طالعلها.....لا مؤاخذة (كُلكيعة) قد الليمونة في..... لم انتظر لسماع
بقية قصة (الكُلكيعة)..وانطلقت بسرعة قائلاً:
-
سلام بقي يا دكتور يا دوب ألحق أجيب سحور....
حمدت الله أن الأسئلة
التي توجه لي أسئلة حسابية بسيطة ويمكن الإجابة عنها بالمعلومات العامة البسيطة
التي أعرفها دون الحاجة لتخيل شكل( كُلكيعه) قد الليمونة في جسم زوجه أحدهم....!!!
-
مازال يردد نفس القصص الريفية السمجة من رمضان الماضي "كمنولوجست"
عجوز عفى الزمان على نكاته الساذجة.. أفقت من شرودي على صوت نسائي يهمس في اذني بصوت
خافت :
-
السلام عليكم. .. بعد إذنك يا أستاذ.. هي مسابقه القرآن
الكريم اللي في الجامع هنا جوايزها ايه ؟
-
عاملين تلات جوايز الأولى شرايط كاسيت بصوت الشيخ .....
قاطعتني في لهفة:
-
مفيش جوايز فلوس؟ أولادي حافظين القرآن الكريم وفازوا في
مسابقة المحافظة السنة اللي فاتت..و..
-
والله يا أختي الكريمة: زي الورقة المتعلقة دي... اقري
كده مفيش غير جوايز (عَينيه) و
....
قاطعتني مرة أخرى:
-
والله يا بيه ما بعرف اقرا ولا أكتب... ولادي هما اللي من
حفظه القرآن الكريم...
-
طب ما تعرفش انهي جامع اللي فيه جوايز فلوس؟
-
والله ما أعرف...بس غالباً الجامع الكبير اللي في الميدان
...عارفاه ؟
-
لسه جايين من هناك.. مفيش برده.. كلها جوايز (عيون) زي ما
حضرتك بتقول.
-
قصدك (عَينيه) يعني جوايز تشجيعية بس من غير فلوس....
قطع الحديث هذه المرة صوت
ابنها:
-
خلاص يا أمي تعالي نرَوَح و نكَمل بُكره..رجلي
وجعتني والله من كتر اللف ..
وقبل أن أهم بقول أو فعل شئ
استدارت قائله في خيبة أمل :
-
السلام عليكم...
لم يسعفني عقلي إلا بأن هممت بأن أعطيها مالاً..
إلا أنها استدارت قائله:
-
لا يا بيه... معاذ الله أنا مش( شحاتة) أنا ولادي من حَفظه
القرآن الكريم.!!!
وانطلقت مُسرعه تجر ولديها جر
..لم أرى مزيجاً من الشموخ والتعفف والانكسار مثلما رأيت في وجه تلك المرأة ...
-
حولت بصري إلى داخل المسجد
مرة أخري: لم أري إلا الأسنان المُهترئه للشيخ وهو يقهقه في المايكروفون بعد أن
ألقي كلمات ريفية تشبه الفكاهة ممزوجة بقشور تعاليم الدين...شردت بذهني باقي
الركعات ولم يغب عن مُخيلتي وجه المرأة وهي ترفع رأسها في شموخ وكأنها تحتمي
بأولادها من غدر الدنيا قائله:
-
أنا أولادي من حفظه القرآن الكريم!!!..
(تمت)
شارك الموضوع وتابعنا على الفيسبوك (عوالم منسية) أو تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك |للتعليق: اضغط على "إضافة/إرسال تعليق" أسفل المقالة |
تعليقات
ماشاءالله عليك اسلوبك رااااااائع..
في انتظار المزيد