ثُلاثِية القَهر- ثلاث قصص قصيرة
- ثُلاثِية القَهر-
ثلاث قصص
قصيرة
_____
(1) انسان الغاب
كانت المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها ذلك النوع من
أشباه البشر... لم يبدو على الرجل أي علامات تدل على أنه يتحدث لغتنا أو حتي انه
يتكلم لغة البشر... لم تكن قامته مُنتصبة بشكلٍ كامل... فقد كان يميل نحو الأرض
وكأنه تعود المشي على أربع و ربما على ثلاث ..كانت الانطلاقة سريعة جداً بحيث لا
يمكن لأي إنسان أن يُحدد من انطلق منهم أولا نحو قطعه اللحم،، هو أم الكلب
الضال؟.... انطلقَ الرجل في سرعة عجيبة تفوق سرعة الكلب لالتقاط قطعة اللحم من على
الارض... لم يستسلم الكلب بسهولة فكشر عن أنياب تعودت على ذلك النوع من الصراع..
بل وأنشب مخالبه الحادة في ذراع الرجل ... أصدر الرجل أنيناَ مكتوماَ.. وهو يتشبث
بقطعة اللحم... والغريب أنه زمجر زمجرة عالية أشبه بصوت الكلب نفسه و كشر عن أسنان
مُهترئة و كأنه يحذر الكلب من صراع دامي وشيك.. وعاجل الكلب بضربة قوية في بطنه..
أعقبها بركلة من ساقه... لم يكن باطن قدمه أشبه بباطن قدم الإنسان العادي وإنما
تكونت عليه وعبر الزمن طبقة من الطين والأوساخ والجلد الميت كانت أشبه بنعل حذاء
ولكن من نفس جلد ولحم الرجل نفسه.. اِرتمي الكلب بعيداً على إثر الركلة.. جلس
الرجل على الأرض لإلتقاط أنفاسه والغريب أنه أشار للكلب إشارة خفية فجاء الكلب
بحذر شديد فألقى إليه الرجل ببقايا قطعه اللحم بعد أن نهش منها عدة نهشات .. وكأنه
لم يكن صراعاً على قطعة اللحم ذاتها وإنما صراع لتحديد مناطق النفوذ أو صراع
لإخضاع الكلب وكسر شراسته.... ربت الرجل على ظهر الكلب و انسحب ببطء حتى توارى عن
الأنظار.... يسرد أبناء المنطقة أنباءاً مُتضاربة عن ذلك الرجل فبعضهم أشار إلى أن
الرجل كان أحد رجال الأعمال والذي أطاحت صفقة خاسرة بأمواله جميعا ومعها عقله
أيضاً ... بينما أشار آخرون بأصابع الإتهام إلى زوجهٌ خائنه و عشيقٍ مَقتول.. لم
استطع تحديد عُمر الرجل الحقيقي من كثرة الأخاديد التي حفرها الزمان على وجهه أو
اي حقبة سياسية قد تكون لها يد بشكل أو بآخر فيما وصل إليه حال ذلك المسكين....
تتبعته بشرود حتى توارى عن الأنظار واختفى من المشهد....
-(
تمت)-
(2)( صفحات
من مُذكرات عانس)
١ أغسطس ٢٠٢٢
لا أعرف ما
الذي علي فعله حتى أعثر على العريس المناسب؟ ... مازالت أمي تُذكرنِي آناء الليل
وأطراف النهار بأن من هم في سني: لديهم أبناء و بنات في سن الإعدادي!!! لا أعرف
بالضبط ما هو المطلوب مني: أعمل بوظيفة جيدة نوعاً ما.. ألتزم بالحجاب.. لا
اتأخر عن الساعة العاشرة مساء صيفاً والتاسعة شتاءأّ... لا أتخلف عن اي مناسبة
اجتماعية لعلي اقابل فارس الأحلام أو أن تراني إحدى القريبات فترشحني لشخص ما!!!
سأتوقف
قليلاً عن الكتابة فقد نشب خلاف بين أمي وأخواتي... سأذهب لأقوم بدوري المعهود
كحمامة السلام .. أراك لاحقاً يا دفتر يومياتي العزيز!!!!
-------
١٥اغسطس٢٠٢٢
- أعرف أنني
أكتب بعدم تركيز ... فما حدث لا يوجد له تفسير سوى أنني من المغضوب عليهم او ممن
كُتِبَ عليهم الشقاء في هذه الدنيا.... أم قد يكون ما تردده أمي حقيقة : وهو أن
هناك من عمل لي عمل سفلي ( بوقف الحال!!!) لا أخفيك سرا يا دفتري العزيز وأنت تعرف
حقاً أنه لا يوجد من استطيع ان ابوح له بأسراري ومكنون مشاعري غيرك... بل لعلي
دائماً ما اناديك بإسم ذكوري وصفات ذكورية ربما لتعوضني عما افتقده من الحضور
الذكوري في حياتي المُغرقه في الأنثوية... فأمي انثى و مُعظم أقاربي بل و أخواتي
جميعاً ايضاً.. حتى محيط معارفي و من بقي من صديقاتي أيضاً من الإناث... اة
بالمناسبة على ذكر الصديقات: اليوم قطعت (مريم) علاقتها بي وحذفتني بدون مقدمات من
قائمة أصدقاء الفيس بوك بالإضافة إلى جميع انواع (البلوك) المعروفة...والسبب
معروف: تمت خطبتها على ابن خالتها!!! ولا تريد اي (عين حاقدة )على حد قولها كما
قيل لي في رسالة غير مباشرة...
-------
٠١ أكتوبر ٢٠٢٢
- لا أخفيك
سرا يا دفتري العزيز: نفذت الخطه بنجاح.. أعرف أنك ستلومني ولكني على حافة
الإنهيار.. نعم فعلتها ... اشتريت الدبله ... ذهب صيني كما تعلم و أخفيتها
عن أمي و أخواتي الغاليات في عُلبه دواء القولون العصبي في حقيبتي وأخيراً واتتني
الشجاعة لإرتدائها... وياله من يوم رائع بدون اسئله عموماً او السؤال الأشهر في
حياتي : ليه متجوزتيش لحد دلوقتى ؟
أعرف ان
الأمر سوف يأتي بنتائج عكسية... و لكن متعة الهدوء النسبي و اختفاء ذلك السؤال
اللعين تستحق المجازفة ... وبعدين (ضربوا الأعور على عينه) هل عدم ارتداء الدبلة
هو ما سيجذب العرسان ؟... لم ارتد شيئا في يدي كامله طوال سنوات ولم يأت العريس
أيضاً: فمرحباً ببعض الساعات الصافية بدون السؤال عن حالتي الاجتماعيه!!!
ملحوظة هامة:
لم يلاحظ أحد وجود الدبلة في يدي اليمنى ولم يسألني أحد هل تمت خطبتك؟!!!!
-------
٣ ديسمبر ٢٠٢٢
كنت أعرف ان ذلك سيحدث ولكن لماذا بالله عليك ؟ذهبت مع
أمي إلي ذلك (السبوع) المشئوم.. كنت اتوقع بعض المُضايقات بسبب حالتي الاجتماعيه:
(كعانس )على حد نظرة المجتمع لي .. ولكن ان يكون اللقاء بمثل هذا السوء.. فذلك لن
يخطر ببال الشيطان نفسه ... فلقد سمعت عدداً هائلاً من رقم :خمسه و خمسه و خميسه و
جميع الأرقام التي تقبل القسمة على خمسة!!! ناهيك عن الحكايات المبالغ فيها عن صحة
المولود من نوعية : اسكتي الواد حطوة في الحضانه عشان جاتله الصفرا) و هو حال جميع
الأطفال حديثي الولادة الآن.. ولكن ان يتم إخراجي من الغرفة عندما أرادت الأم
إرضاع طفلها .. على اعتبار أني صاحبة العين الحسود فذلك حقا ما آلمني... لماذا تمت
دعوتي خصيصاً للحضور إذا لم يكن مرغوباً في وجودي؟ حقيقة لا أرغب في الزواج لذاته
لكن لكي اتخلص من تلك النظرة الدونية لي....
--------
٩ديسمبر ٢٠٢٢
هل حقاً أصاب أمي الجنون؟ أم ان تقديرها للأمور اختل على
مر الزمان ؟ كيف ترشح لي رجلاً قارب على سن المعاش و يحتاج الى من تؤنس وحدته بعد
ترمله؟ يا أمي الرجل يحتاج إلى مُمرضه و خادمه و ليس إلي زوجة شابة مثلي؟!! كيف واتتها
الفكرة وكيف لا تراها فكرة غير قابلة للمناقشة أساساً ؟ هل هُنت عليها إلي هذه
الدرجة ؟ هل أصبحت عبئاً ثقيلاً إلي هذه الدرجة ؟ أعمل بوظيفة جيدة نوعاً ما
وأساهم في نفقات الأسرة و اقوم تجهيز نفسي ... ما هي المشكلة ؟ ماهو ذنبي إذا لم
أكن ذات جمال اخاذ؟ ماهو ذنبي إذا لم يتقدم إلي شخص مناسب إلي الآن ؟.. ما أسوأ ان
يشعر المرء بأنه مُحاصر من المجتمع كله بل و من أسرته الصغيرة ذاتها -------
(يتبع)
(3) صائد الفئران
ما ان وطئت
قدمي باب المؤسسة، حتى ضربت أنفي رائحة عُفونة مقززة، وسرعان ما توافد باقي
الموظفين وتعالت صيحات التأفف، بدأت بعض الفتيات برش مزيلات العرق والعطور للتغلب
على تلك الرائحة،، تناول المدير سماعة الهاتف وبدأ في الاتصال بمندوب شركة مكافحة
القوارض والحشرات التي تعاقدت معها المؤسسة منذ سنوات...
-
هو انا لازم اتصل بيك عشان تيجي تشوف شغلك يا حيوان؟؟
-
فين ده ؟؟ حطيت سم للزفت الفيران يبقي تيجي تتابعها ... ايه الغباء ده
-
...
-
...
لا أعرف ما الذي حدث حتى تغيرت طريقة
التواصل بين المؤسسة وشركة مكافحة القوارض والحشرات إلى أن أصبحت مُكالمة هاتفية
ذات ألفاظ نابية موجهه للمندوب بهذا الشكل المُهين على الرغم من انه يفوق ضعفي عمر
ذلك المديرالأخرق؟
حضر المندوب في غضون ساعة،،، ووفقاً
للمثل القائل: "إذا كان رب البيت للدف ضارب.. فشيمة أهل البيت كلهم
الرقص". فقد كان جميع الموظفين في المؤسسة : رجال وإناث واشباه رجال،،
يتعاملون معه مُعامله سيئة لا لشيئ سوى تقليد أعمى للمدير الأخرق بل وارضاءً له
ايضاً.. فالرجل متواضع إلى حد التذلل ،،، تبدوا عليه علامات الفقر الشديد و ملابسه
الرثة لا يمكنك تمييزها عن بعضها،، كل ما يميز وجهه الدميم هو الأنف الأفطس و
الشارب الكبير المعقوف لأسفل... كنت أنا الوحيد الذي يعامله بعطف واحترام... سرعان
ما دلف المندوب إلى الحجرة والقى التحية على المدير ،الذي حدجه بنظرة ازدراء
قائلاً:
-
انجز.. انت لسة هتسلم؟؟!؟
و في خفة انحني المندوب على يديه و
ركبتيه و بدء في استخدام حاستين فقط هما الشم والنظر أسفل الأثاث المكتبي ... حتي
يُخيل إليك أنه قِطٌ بشري .. نعم تتقمصه روح القط في تلك اللحظات الحاسمة... تمتد
يده في خفه ويلتقط الفئران الصغيرة النافقة من أثر السم الذي كان قد وضعه في
الأركان اسفل الاثاث في الاسبوع الماضي.. جمعها في كيس بلاستيكي ... بدا عليه
علامات الإعياء الشديد و التعرق.. انتقل من كرسي الي كرسي ومن مكتب الي مكتب حتى
انهى مُهمته..
توقف قليلاً ليلتقط أنفاسه
وأخرج من جيب سُترته البالية سِجل الزيارات.... كنت أنا الوحيد الذي يتعاون معه في
التوقيع عليه وإثبات زيارته للمكان ..
تجاذبت معه أطراف الحديث:
-
يا بختك يا عم نشأت.. الوحيد في الدنيا اللي ما بيخافش من الفيران.. دانا
بترعب من صوتها أصلاً..
-
ومين جالج يا خوي... داني صوتها بيصحيني من أحلاتها نومه...
قالها بلهجة أخميميه ثقيلة تعودت
عليها من كثرة زيارته للمؤسسة..و سرحت في كلماته..
- ازاي مش دي شغلتك من اكتر من عشرين
سنة؟؟ صحيح طَب والفيران الكبيرة اللي بتصطادها بالمصيدة بتعمل فيها ايه؟؟
- زمان ايام الخواجة الالماني كنا
بنبيعوها لكليه العلوم .. دلوقتي بنغرجوها!!
- ازاي بتغرقها يعني؟؟ في
النيل؟؟
- لاه..دا أني باخدها وبغرجها في دردل
ميه.. "والعدرا" برجف من صوتها وهي بتصرخ واجعد أبكي ..لاني جادراسيبها
ولا جادر أغرجها...أكل العيش مُر يا ولدي..
دلف المدير الأخرق الي المكتب و
صرخ : انت لسه واقف ليه يا زفت.. انت مش خلصت؟؟
همهم الرجل بكلمات مبهمة و
انسحب محرجا من المكان....
-(تمت)-
إقرأ أيضا: ندبات الروح - ثلاث قصص قصيرة
إقرأ أيضا: ثلاثية القهر - ثلاث قصص قصيرة
إقرأ أيضا: خروج آمن لجثة عم فوزي
شارك الموضوع وتابعنا على الفيسبوك (عوالم منسية) أو تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك |للتعليق: اضغط على "إضافة تعليق" أسفل المقالة |
People also search for
قصص قصيرة جدا عالمية
قصص حقيقية قصيرة
قصص قصيرة للأطفال
قصص مكتوبة قصيرة للكبار
قصص قصيرة فيها حكمة كبيرة
تلخيص قصة خيالية قصيرة
قصة قصيرة خيالية
قصص واقعية
تعليقات
أحسنت وفى انتظار المزيد
بستمتع جدا بقراءتها دايما في تفوق وابداع شكرا 💚
اسلوب يدخلني بالمكان والزمان من كتر الدقه في التفاصيل واحس بكل شئ لدرجه شميت رائحة الفئران النافقه ...
منتظرين المزيد ديما في تقدم ونجاح