خروج آمن لجثة عم فوزي - قصة قصيرة



كان يوما عاديا تماما كأي يوم من أيام الأسبوع، مرت ساعاته ببطء زاد من وطأة الشعور به، ذلك الحر الشديد الناتج عن الموجة الحارة التي تمر بها البلاد ،لاحظت ان عم فوزي الترزي لم يفتح محله كالعادة ، لم اكترث كثيرا لذلك فربما استيقظ متأخرا، أو ربما ذهب لمشوار و الحقيقة أن الرجل لم يتأخر يوما واحدا عن مواعيد فتح المحل ،،،انشغلت في أحداث اليوم حتى مغيب الشمس،، كنت سعيدا بمغيبها فالحر فوق احتمال البشر و كنت سعيدا أيضا أن اليوم التالي هو الجمعة ،، فيمكنني الاستيقاظ متأخرا ... و... و ما أن اقتربت من منزلنا حتى شاهدت تجمع بشري ألقيت التحية فبادرني احدهم:

- البقاء لله في عم فوزي،،،،

تذكرت أنني طوال الليلة الماضية كنت اسمع صوت أنثوي يئن في أنين مكتوم، سمعته كما سمعه غيري و إن لم نعرف مصدره حتى تفقدت احدي الجارات شقة عم فوزي لان صوت الأنين كان يصدر من هناك، ففتحت لها زوجته باكية و أخبرتها انه توفي ليله أمس في سريره توافدت الجارات للمساعدة و تجمع الرجال أسفل العمارة ،، طال الانتظار عن المعتاد لم يأت احد من أقاربه أو أقاربها و الرجل ليس له أولاد ، استرجعت بشكل لا إرادي شريط ذكرياتي عن عم فوزي،، كان دمث الخلق إلى درجه كبيرة،، تكاد لا تذكره إلا عندما يفتح محله ملقيا التحية علي الجميع أو عندما تراه في يوم إجازته الأسبوعية مصطحبا زوجته في هدوء تام للخروج،، حتى زوجته لم تلفت النظر إليها قط،، تكاد لا تشعر بوجودها حتى عند نشر الغسيل لا نري سوي يدين تخرجان من فتحه الشباك لتعليق الملابس علي المنشر الصغير،،،،أفقت من شرود أفكاري علي قول احد الرجال و هو من كبار السن و المقام بالحي :

- معقوله يا جدعان الراجل داخل علي يوم بحاله ميت و الدنيا حر و لسه محدش من قرايبهم ظهر...
- فعلا غريبة أوي.
- طب شوفولنا حد من الحريم يسأل مراته هتعمل ايه.

فعلا كان شئ لافت للنظر فالرجل لم نعرف له أقرباء و ليس له أبناء  كل ما اذكره عنه انه كان دمث الخلق و لديه عادة غريبة : و هي انه ما أن يعلم بوفاة احد سكان الحي، حتى يسارع بتفصيل كفن له في زمن قياسي و يسرع به إلي أهل المتوفى و يتركه لهم دون حتى أن ينتظر ليعرف إن كانوا سيستخدمونه ام أنهم قد اشتروا كفنا و الغريب انه يتساوى في ذلك لديه الجيران المسيحيين و المسلمين فقد كان يخيط أكفانا ذات صلبانا و طرز مسيحيه ويسارع بها أيضا لأهل المتوفى دون مقابل بالطبع ،،، ربما برع في ذلك بحكم مهنته  ربما كانت لديه "باترونات" جاهزة لذلك. 

سرعان ما تواردت الأخبار أن زوجته اتصلت باخ لها و انه سوف يحضر و ان تواردت الأخبار أيضا أنها كانت تستعطفه عبر الهاتف و تتمتم بكلام غير مفهوم... فاتت الساعات و لم يظهر احد،، صاح نفس الرجل المسن مرة أخرى:

- يا جماعه ما تشوروا علينا هنعمل ايه الحر شديد و الراجل فاتت علي ليله كده.

اتفقنا فيما بيننا انه لا جدوى من التصرف ألان و تم تقسيم العمل و الأدوار فيما بيننا على أن نبدأ من الغد مبكرا قبل صلاة الجمعة: فاحدنا سيذهب لاستخراج تصريح دفن و الأخر سيحضر المغسل و الآخر سيجهز السيارة حتى نكون قد انهينا كافه الإجراءات إلي حضور أخ زوجة المتوفى والذي اعتقدنا جميعا انه سيأتي من مكان أو سفر بعيد.

و بالفعل تم انجاز كل شيء قبل صلاة الجمعة و كالعادة حدث الخلاف مرة أخري فاحدهم يشير إلى ضرورة الانتظار إلى صلاة الجمعة ليكون معنا عددا كبير من المصلين أما الرأي الآخر فقد أشار إلى ضرورة الإسراع بالدفن نظرا لطول فترة بقاء المتوفى من يوم الأربعاء إلي صباح الجمعة.

ومرة أخرى أرسلوا احدي النساء لسؤال الزوجة ماذا ستفعل و أين هي مقابر الأسرة الخ

  تمتمت الزوجة بتمتمة غريبة:
- لا ادري أنا اتصلت بالجماعة،، المهم هو يرتاح هو فقط غصن من شجرة ،، لفتت نظري تلك الكلمات الغريبة فربما كانت تعني انه مقطوع من شجرة .. أشارت الزوجة أيضا في الم مكتوم أن أخيها سيحضر وعلينا انتظاره. 

مرت الساعات بطيئة أيضا تشاغل بعضنا بتدخين السجائر والآخرين بدأوا يتأهبون لصلاة الجمعة وان توقفنا جميعا بعد أن رأينا سيارة كبيرة الحجم تشبه سيارة الإسعاف تدخل إلى الشارع و إن لم يوجد عليها أي إشارة تدل أنها سيارة إسعاف وتوقفت بعيدا عن العمارة اشرنا لها أن تقترب اعتقادا من أنها السيارة التي ستقل المتوفى إلى مثواه الأخير و لكن السائق لم يتحرك ترجل عنها ثلاثة أشخاص من اغرب الشخصيات التي رأيتها في حياتي : فقد ظهر شابان زوي شعور سوداء فاحمه جدا يرتدون خواتم ذهبيه مرصعه بحجر كريم و يحمل كل منهم في يديه شيئا يشبه صندوقا خشبيا صغيرا مكسوا بالقطيفة في نفس حجم و شكل الكتاب ولها إطار ذهبي و هم يرافقون رجلا أخر يرتدي عمامة بيضاء كبيرة جدا تلتف حول طربوش طويل جدا من اللباد الأصفر و العباءة التي يرتديها سوداء ضيقه عند الصدر والذراعيين وفضفاضة من أسفل تشبه زي حاخامات اليهود أو تشبه زيا "لطائفة المولوية" في تركيا ..تحفز الجميع عند رؤيتهم فحتما ،، هناك خطأ ما..

تقدم لسؤالهم بلطجي الحي وهو رجل قوي الشكيمة مفتول البنية و يعمل كمرشد للشرطة أيضا :
- عاوزين مين ؟

- أجاب احد الشابين غريبي الهيئة أنهم قادمون لدفن السيد فوزي.
- انتوا مين يعني ؟ انتوا يهود؟؟ولا ايه بالضبط؟
-هنا تقدم الرجل ذو العمامة و اخرج ورقة مكتوبة وهم بفتحها قائلا :
نحن من الطائفة البهائية،، جايين عشان ندفن الأستاذ فوزي في مقابر البهائيين في العباسية!!!
وده وصية الأستاذ فوزي بخط ايده وتوكيله للطائفة لدفنه في مقابرها...

كان هول الصدمة اكبر من ان يستوعبه احد تسارعت الأفكار في رأسي كنت اعرف أن مقابر البهائيين في منطقة البساتين و كنت قد قرأت يوما أن لهم مقر و مقابر في حي العباسية و لكن أغلق ذلك المقر الرئيس جمال عبد الناصر في فترة الستينات.. كل ذلك غير مهم ،، المهم هل فعلا عم فوزي بهائي؟؟؟

أفقت من أفكاري علي صراخ بلطجي المنطقة:

- تاخد مين و تدفن مين الراجل ده مسلم و شكلك كده مش مريحني علي الطلاق ادفنك هنا و سارع بشكل لا إرادي إلى إخراج مطواته من جيبه الخلفي سارع الجميع بالفصل بينهم و صاح احدهم تصريح ايه؟ عم فوزي لا بيقرا و لا بيكتب؟؟ فاكرين كنا بنقراله وصولات الكهرباء و الجوابات  يبقي كتبلك و صيه ازاي ؟

تصاعدت الصيحات من الجانبين أشار بعضهم إلي ضرورة سؤال زوجته مرة أخرى عن ذلك  شردت بأفكاري مرة أخرى في محاوله لتفسير ما يحدث: فالمرأة يبدو عليها علامات الذهول الشديد ولا يوجد ما يشير إلي أن احد من أقاربها سيظهر، لماذا انتظرت الزوجة كل تلك الفترة قبل ان نعلم بوفاته هل يمكن حقا أن يكون عم فوزي بهائيا؟؟و إذا كان ماذا نفعل أنتركه لهؤلاء الغرباء دون أن نعرف مصيره أو حتى أن نعرف من هم؟؟هل حقا كان يجيد القراءة و الكتابة و كان يدعي غير ذلك..؟

مرة أخرى أفقت من شرودي، فقد تم منع هؤلاء الغرباء من دخول العمارة .. لم يرحلوا وإنما وقفوا بعيدا يرددون كلمات ذات سجع ربما كانت صلوات و مازال الشابين يحمل كل منهما صندوق القطيفة الخاص به..مره أخري ظهرت سيارة فارهة ودخلت الشارع تبين بعد ذلك أن قائدها هو أخ الزوجة،، ترجل عن السيارة  رجل وسيم في مطلع الخمسينات تبدوا عليه علامات الثراء الشديد لفت نظري انه لم يصعد إلى شقة المتوفى وان نزلت أخته المكلومة وتنحيا جانبا بعيدا لم نسمع الحوار الدائر بينهما وان كان الغالب عليه استعطاف الأخت يقابله برود وصلف من أخيها صاح احد كبراء المنطقة:
- يا بيه إكرام الميت دفنه وأي عتاب ييجي بعدين ..

ربما ساعدت تلك الكلمات علي إنهاء الموقف الغير مفهوم و سرعان ما تم استدعاء سيارة تكريم الإنسان من المسجد المجاور ليتم اصطحاب عم فوزي للصلاة عليه في المسجد المجاور بعد صلاة الجمعة لينطلق أبناء الحي لتشيعه ودفنه في مقبرة خاصة بأخ الزوجة الثري عدنا بعدها في صمت إلى الحي و إن استمرت همهمات تظهر كل فترة في  شكل أسئلة بلا أجوبة: علي أي ديانة عاش بيننا عم فوزي؟ .. فحقيقة من دماثة خلقه وهدوؤه الشديدين لم نلحظ انه لم يصلي معنا في المسجد وإن تواجد في جميع المناسبات الاجتماعية الأخرى من أفراح وأحزان،، كانت أخلاقه العالية هي ما اجمع عليها أبناء الحي وإن اختلفوا في تحديد ديانته .

 بعد فترة أغلقت أرملته الشقة وباعت المحل ورحلت إلي مكان غير معلوم.. وبقيت الحقيقة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.


 رابط الموضوع للمشاركة:  http://goo.gl/h1g3PG



شارك الموضوع وتابعنا على الفيسبوك (عوالم منسية) أو تويتر أو  اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك  |للتعليق:  اضغط على "إضافة/إرسال تعليق" أسفل المقالة

 إعداد: المنسي
للمراسلة: enbee.info@gmail.com


Searches related to البهائيين في مصر
مشاهير البهائيين في مصر
اشهر البهائيين فى مصر
من هم البهائيين في مصر
اشهر الشخصيات البهائية فى مصر
اسماء البهائيين فى مصر
البهائيين 
البهائيين من هم
اين يوجد البهائيين فى مصر
قصص قصيرة
People also search for
قصص قصيرة جدا عالمية
قصص حقيقية قصيرة
قصص قصيرة للأطفال
قصص مكتوبة قصيرة للكبار
قصص قصيرة فيها حكمة كبيرة
تلخيص قصة خيالية قصيرة
قصة قصيرة خيالية
قصص واقعية


تعليقات

إقرأ أيضا الموضوعات الشهيرة الأخرى

نجمات "بورنو" شهيرات يكشفن حقيقة الأفلام الإباحية –(الحلقة الأولى)

​الدب والأرنب: عبثٌ في مراحيض الغابة

رحلة إلى مدينة هامبورج ألمانيا

قصة الراهبة المصرية التي أسلمت على يد النبي محمد عام 1970

ماذا يحدث حين تقول " لا يمكن أن تسوء الأمور أكثر من ذلك"؟

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الثالثة)

معنى الصديق اللدود: كاريكاتير الذئب الحكيم والخروف الحزين

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الأولى)

ما هي الجمارك المستحقة على شيفروليه كروز موديل 2012 سعة 1600 سي سي؟

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الرابعة)