يوميات مترجم حر:: الخواجة اللي تحسبه موسى..يطلع فرعون!
قرأت منشوراً لأحد الأطباء المصريين الأفاضل المغتربين في كندا، ملخصه (أن الآفات المجتمعية التي يعاني منها الناس في "النصف السفلي من العالم" الذي نعيش فيه، هي نفسها الآفات التي يعيشها الناس في العالم الأول، في دولة متقدمة يسعى الناس للهجرة إليها مثل كندا مع اختلاف الظروف والمسميات)..
وهو الأمر الذي ذكرني بأكثر من موقف تعرضت له أثناء مسيرتي المهنية كمترجم حر، حيث يظن البعض منا أن التعامل مع "الرجل الأبيض" أو "الخواجة" بلغة المصريين، سيكون "فاتحة خير" وإنه بالضرورة – بحسب عقدة الخواجة التي تسيطر على عقولنا - سيكون "أكثر حرفية" و"أقل معاناة" من حيث تنظيم العمل وسهولة تحصيل المقابل المادي! فلم لا؟ فهؤلاء بشر"فرز أول" - بلغة تجار السيراميك! - أو "قطفة أولى" - بلغة بائعي الفواكه! - يقدرون أتعاب الناس ويفهمون الحياة أكثر من غيرهم، لم لا وهم القادمون من العالم الأول المتحضر الذي سبقنا بفرق حضاري يقدر بـ100 عام!
إلا أن التجارب العديدة مع جنسيات من العالم الأول (ولا داعي لذكر الجنسيات حتى لا يكون هذا الكلام مدعاة للتعميم وإطلاق الأحكام) أثبتت أن: "النصاب نصاب" ولو كان ذا شعر أصفر وعيون زرقاء، ولو كان محترف السمت معسول الكلمات! وفيما يلي حالتين فقط – لرجل وامرأة - أذكرهما للقراء الأعزاء..
الحالة الأولى:
في يوم طلبني أحد الأجانب من ذوي اللكنة الأوروبية - كنت قد عملت معه سابقاً في شركة – واستقال هو مبكراً وعمل مراسل صحفي حر ومحترف "بي آر" أي علاقات عامة، لتغطية بطولة للجولف تستمر على مدى 10 أيام، وكان العمل المطلوب هو تغطية نتائج كل يوم بيومه على أن يتم "تقفيل" الخبر الصحفي الذي يرسل للجرائد والصحفيين، على الساعة الثانية ظهراً على الأكثر، مما يعني عدم حصولي على الراحة أو الغداء والجلوس في مكتبي بالشركة في انتظار "الإيميل" وإنجاز ترجمة النص على وجه السرعة، وتحملت هذا الإرهاق لمدة 10 أيام، وقمت بالعمل على الوجه الأكمل. مرت الأسابيع والشهور ومطالباتي وتذكيري له بدفع المبلغ المتفق عليه لا يلقى منه غير التسويف والمماطلة لشهور طويلة حتى تيقنت من عدم توفر نيته الدفع منذ البداية، وأنه قد استغلني لأخذ "مقاولة" علاقات عامة من "بابها" وقبض فلوسها وطار دون أن يعطي الأجير حقه! ونظرا لانعدام "وسيلة للضغط" في هذه الحالة، فكل ما استطعت عمله في النهاية هو تحذير كافة المحيطين بي من الزملاء من المترجمين الأحرار - في هذه المدينة الصغيرة نسبياً التي كنا نعمل بها - من التعامل مع هذا "النصاب المتجول" معسول الكلمات ذو البشرة البيضاء والعيون الزرقاء.
والغريب بل والمثير في الأمر أنه اتصل بي بعد فترة طويلة يتحدث عن شغل جديد "يساعده على المضي قدما بعد أن أصبح مستقلا"، ولم يُشر إلى مستحقاتي السابقة من قريب أو بعيد وكأنها لم تكن! ماذا تسمون ذلك؟ وقاحة أم "استعباط" أم أن أحداً أكد له عدم سلامة قدراتي العقلية!
مواضيع ذات علاقة: يوميات مترجم حر:: دليل المترجم والكوبيرايتر للهروب الكبير من عبودية الدوام الكامل إلى العمل كمترجم حُر
أما الحالة الثانية:
فكانت لامرأة أجنبية ذات لكنة بريطانية – مديرة للتسويق في أحد المنتجعات – طاردتني لفترة حتى قبلت العمل معها، وما أن استلمت هي الشغل المطلوب على نحو مُرضي تماما كما أرادت، حتى تجاهلت وسيلة الدفع التي سبق وأن وافقت عليها، ورفعت يدها تماما عن متابعة الدفعات وأحالت مطالباتي – بكل عنجهية وصلف - لإدارات أخرى وأناس آخرين لا يعلمون عن اتفاقنا شيئا بطبيعة الحال! وبعد الكثير من المراسلات والمحادثات، أجد نفسي مضطراً للسفر – فعليا – لاستلام "شيك" من إدارة المحاسبة بالمنتجع، في محافظة نائية بعيدة، ولم يكن المبلغ يستأهل تعب الحصول عليه فتركته مضطراً، وبطبيعة الحال رفضت بكل صلابة طلباتهم المتكررة للعمل في مشاريع تالية أخرى.
وفي هذه الحالة، ليس الأمر نصباً واحتيالا مع سبق الإصرار والترصد – كما هو الأمر في الحالة السابقة – ولكن الإهمال وعدم الاهتمام ببنود الاتفاق وعدم الالتزام "بشريعة المتعاقدين" كل ذلك يؤدي إلى نفس النتيجة: ضياع المستحقات.
إن المخضرم في هذه المهنة – مهنة المترجم الحر - يدرك أن العِبرة في مسألة المصداقية المهنية ليست بالجنسية أو حجم الشركة /المؤسسة، وإنما العبرة بالعميل المستقيم الذي لديه أعمال متواصلة "وتجارة يخشى كسادها" وعملاء يحاول إرضاؤهم بشتى الطرق، ويخشى توقف مصالحه معهم، فيدفعه ذلك إلى تكوين شبكة قوية من العلاقات المهنية المتنوعة التي تكون بمثابة "شبكة الأمان" التي يستطيع الاعتماد عليها في الأوقات الصعبة.
بقلم: م.ن
مترجم حُر وكاتب نصوص إعلانية عربية
رابط الموضوع للمشاركة: http://goo.gl/DdmHnF
إذا أعجبك الموضوع: تابعنا باستمرار من خلال صفحتنا على الفيسبوك: مجلة لاكي سترايك أو على تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك من: هنا | للتعليق اضغط: هنا
|
تعليقات