جبال الثلج: لقطات من حياة المهمشين: طيارين دليفري

- لأ مش هتدخل وريني كارنيه الشغل أو بطاقتك الشخصية الأول.

- يفرق معاك في إيه إليونيفورم، "الأوردر" سليم و بإسم أستاذ ... و ده رقم موبايله إتصل بيه على الداخلي، هيقولك ماشي.

-والله ما هتدخُل أنا أصلا شاكك فيك.

- الله يكرمك كده هتعملي مشكله وهتضيع عليا "التيبس".

خرجت مسرعاً إلى رجل الأمن بعدما التقطت أُذني تلك المشادة الكلامية كما تجمع غيري من الموظفين، كان المشهد غريباً جداً : فرجل الدليفري أو "الطيار" كما هي شهرتهم في تلك المهنة كان يرتدي "يونيفورم" شركته الأصلية وهي سلسله مطاعم أمريكية شهيرة متخصصة في وجبات الدجاج ذو الخلطة السرية الشهيرة ولكنه كان يحمل أوردر من سلسلة مطاعم أخري منافسه متخصصة في "وجبات البرجر" ،وما ذاد الأمر تعقيداً أن الأوردر بنفس اسم زميلنا وسرعان ما تجمع جمع من الموظفين و تصاعدت حدة التعليقات السخيفة من جانب الموظفين :

صاح "حبيب البنات": ايه يا ريس الأصطباحه إشتغلت ولا ايه؟

تبادل معه "أراجوز الشله" "إفيه" أكثر سخافة:

- طب الفقرة دي إتصورت لو عايز نزيع قول نزيع!!!.

- رد "عصفورة المدير":

- سيبوه تلاقيه عنده غسيل!!!ههههههه.

نظر إليهم رجل الدليفري بابتسامه باهته ،مستعطفاً، بأن يرحموه من وصله الرخامة، تدخلت سريعاً و قولت له:

- كام الحساب؟

أعطاني الفاتورة قمت بدفع الحساب وضاعفت "التيبس" لأنني كنت أعرف أن صاحب الأوردر الأصلي:"إله "البخل" عند الفراعنة"، لن يدفع أكثر من جنيهاً واحداً وهو "يُحسبن" عليه سراً!!

عادت مجموعة "السخفاء" اقصد "الزملاء" إلى أعمالهم وتنحيت برجل الدليفري جانباً وتجاذبت معه أطراف الحديث :

- والله يا بيه بقإلى أسبوع على دا الحال، كل أوردر أطلعه: تريقه و قلة أدب، ما يسيبوا كل واحد في همه.

- معلش هو الأمن شغلته كده لازم يدقق مع اللي داخل واللي خارج و إنت بصراحة شكلك، يقلق وبقية العيال دول "سيس" سيبك منهم،إيه اللي حصل؟

- والله يا بيه لولا الرجولة و الجدعنه ماكنت استحملت، بس أدي الله وأدي حكمته، مفيش يا بيه ،زميلي و عشرة عمري من مطعم ...... عمل حادثه جامدة أوي و اتكوم مرمي في المستشفي ...هي مراته هتجيب منين ياعني،الله يعمر بيته أستاذ .... المشرف بتاعهم وافق اني أقوم بالأوردرات وتتحسب لزميلي في السر :كأنه موجود بالضبط، مانا لو اترميت نفس رميته ،هبقي نفسي ربنا يبعتلي اللي يقف مع مراتي وعيالى.

تذكرت بالفعل فالمطعمين في نفس المبني، في تلك المنطقة لا يفصلهم عن بعضهما البعض سوي جدار وهؤلاء الطيارين يقفون دائما مع بعضهما البعض في الساحة الخلفية للمطعم وكأنهم يعملون في مطعم واحد، وليس مطعمين منفصلين.

ولمن لا يعرف من القراء الأعزاء:فهؤلاء "الطيارين" كانوا في فترة الثمانينيات موظفون ، معينون في سلسله المطاعم الأمريكية الشهيرة لديهم تأمينات اجتماعيه ومرتبات مجزية و غيرها من حقوق الموظفين إلا انه بما أن "المديرين المصرين" لابد وان تكون لهم بصمتهم فقد أوهموا الإدارة الأمريكية بأن هذا الإجراء سوف يوفر الكثير من النفقات على الشركة : وهوان يتم استبدالهم بمجموعه أخري "كاجوال" أي أشخاص عاديين يملكون "مكنه" أي موتوسيكل أو فيزبه ويحصلون على مرتب زهيد وبدون تأمينات اجتماعيه كما يحصلون على كوبونات للسولار ومبلغ إضافي زهيد لتغطية تكاليف الصيانة وهي ما تسمي "بالبدلات" في عرف أهل هذه المهنة. بل ظهرت مدرسه أخري أكثر دهاءاً في "الإدارة" فيتم تقسيم هؤلاء الطيارين إلى مجموعات كل مجموعة متخصصة في توصيل الوجبات إلى منطقه سكنيه بعينها فمثلا ش أبو الفدا هو منطقه الطيار( س) او( ص) و هكذا وقبل أن يخرج الطيار للتوصيل يدفع مبلغ معين "يسمي" الأرضية "للنبطشي" :أي مسئول الحركة" وهو القائم بتوزيع الأوردرات على الطيارين بحجه أن الطيار سيحصل على أكثر من ذلك المبلغ بكثير من وراء التيبس!!! ورغم أن البعض قد لا يلتفت إلى تلك الشريحة من المجتمع، بل يعاملهم البعض بشئ من التعالي إلا أنهم يعملون بوظيفة هامه وحيوية وكثيرا ما الجأ إليهم للسؤال عن اقرب نقطه لشارع معين أو كيفية الوصول لمكان ما ودائماً ما أجد الإجابة لديهم ،بل يمكنك عزيزي القارئ استغلالهم في إرسال خطاب أو شيء هام تماماً كشركات البريد في مقابل مبلغ بسيط.

وعوده لقصتنا فهذا الرجل يشبه احد "جبال الثلج" ما يظهر على السطح هو ربع مساحته الحقيقيه و أسفل الماء توجد الكتلة الأكبر والأكثر تشابكا و تعقيدا ، فهو يتحمل مسؤولية عمله وعمل زميله المصاب بدون كلل أو ملل متحملاً الإهانات و نظرات الاستهجان فهو يحمل "اوردراته" و "أوردرات" صديقه المصاب لأنه مسئول عن تلك المنطقة أيضا و يعرفها جيداً وعدد الطيارين في مطعم زميله ليس كبيرا بحيث يتحمل طيار واحد منطقتين معاً. وما لا يعرفه الكثيرين أيضا انه ربما يكون هناك تنافس بين تلك السلاسل من المطاعم إلا انه لا يوجد ذلك التنافس بين هؤلاء الطيارين فمتاعب المهنة واحدة والمخاطرة أيضا واحده.


معذرة للإطالة واستأذن أعزائي القراء في أن يكون المقال القادم عن نموذج آخر من "جبال الثلج". 


إذا أعجبك الموضوع: تابعنا باستمرار من خلال صفحتنا على الفيسبوك: مجلة لاكي سترايك
أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك من: هنا

عمال ديليفري – طيارين – مطاعم فاست فود – مطاعم وجبات سريعة – كنتاكي – ماكدونالد


تعليقات

إقرأ أيضا الموضوعات الشهيرة الأخرى

نجمات "بورنو" شهيرات يكشفن حقيقة الأفلام الإباحية –(الحلقة الأولى)

​الدب والأرنب: عبثٌ في مراحيض الغابة

رحلة إلى مدينة هامبورج ألمانيا

قصة الراهبة المصرية التي أسلمت على يد النبي محمد عام 1970

ماذا يحدث حين تقول " لا يمكن أن تسوء الأمور أكثر من ذلك"؟

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الثالثة)

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الأولى)

معنى الصديق اللدود: كاريكاتير الذئب الحكيم والخروف الحزين

ما هي الجمارك المستحقة على شيفروليه كروز موديل 2012 سعة 1600 سي سي؟

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الرابعة)