من ملفات أبطال أكتوبر المجهولين.. الشهيد عربي سيد عبد الفتاح
الشهيد سيد سيد عبد الفتاح الشهير بـ "عربي" |
ماذا
تفعل حين ترى وحدتك العسكرية تقصف بالطائرات؟ هل تهرب بجلدك أم تجري مباشرة نحو القصف
لنجدة من يحتاجك من زملائك المصابين؟
أثارت قصة اكتشاف
الهياكل العظمية لجنود مصريين بكامل عتادهم العسكري أثناء حفر قناة السويس الجديدة
شجون الكثيرين من أبناء الشعب المصري، وخصوصاً من لهم شهداء في حروب مصر مع العدو
الإسرائيلي بداية من حرب 1948 وانتهاء بحرب أكتوبر المجيدة؛ وكانت إزاحة التراب عن
عظام الأبطال ومتعلقاتهم الشخصية وإخراجها للنور والبحث عن عائلاتهم بعد أن كانوا
مفقودين هي الدافع الذي أثار رغبتي في إزاحة التراب عن الصور القديمة لخالي الأكبر
البطل الشهيد (سيد سيد عبد الفتاح) الشهير بـ "عربي" لأروي قصته وأخرجها للنور من ظلمة الأدراج بعد
كل هذه السنوات التي مرت منذ حرب 1973.
طفولته وحياته
الشهيد عربي طفلا في صورة عائلية |
ولد الشهيد (سيد سيد عبد الفتاح السيد) في عام 1946 واشتهر باسم "عربي" ، وكان "عربي" أكبر أبناء الحاج سيد عبد الفتاح الثمانية، وكان شاباً مبتسماً محباً للحياة ويتميز بالحيوية الشديدة وخفة الظل محبوباً من الجميع، ويشتهر عنه حبه للأناقة في الملبس والمرح الذي يشيعه في المكان. وكان خاطباً لفتاة أحبها، آملا أن يكلل حبهما بالزواج.
أما عن مؤهله الدراسي، فقد تخرج بشهادة الثانوية الصناعية ثم دخل الجيش وجاء تجنيده بالقوات الجوية "بقاعدة المنصورة الجوية" الشهيرة بمدينة المنصورة، والتي تسمى في الأدبيات العسكرية المصرية بأنها "قلعة المنصورة" التي انكسر عليها الغزاة على مر التاريخ.
من آخر صور عربي قبل رحيله بتاريخ 6 سبتمبر 1973 |
اليوم الأخير
عقب عقد قران شقيقته الكبرى، وقبل عودته إلى وحدته العسكرية في المنصورة – بعد إجازته القصيرة، كان تصرفه غريباً أثار انتباه جميع أفراد أسرته، فقد أصر عربي على تقبيل واحتضان جميع أخوته السبعة وأفراد أسرته وأمه وسلم عليهم فرداً فرداً وطلب منهم أن يسامحوه إذا كان قد أخطأ في حق أحدهم، وخرج مسافراً إلى وحدته العسكرية مما دعا إخوته للخروج خلفه إلى الشارع مذهولين، وودعهم ملوحاً في الهواء حتى اختفى في نهاية الشارع، ليترك الجميع في ذهول ودهشة يشوبها القلق، يبدو وكأنه كان يشعر أنها المرة الأخرى التي يراهم فيها.
زميل المعركة الزائر يكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة المجهولة
كان لدى والد الشهيد ورشة كهربائية شهيرة جداً في حي باب اللوق تحمل اسم ( ورشة سيد عبد الفتاح للأعمال الكهربائية والميكانيكية) ، وبعد سنوات، وفي يوم من الأيام أثناء وجود اثنان من إخوته يعملون في الورشة، إذا بشخص يمر من أمام المحل، وأطال النظر إلى يافطة المحل، ثم دخل بعد تردد وسأل الأخ الأكبر:
سلام عليكم، دي ورشة الحاج سيد عبد الفتاح؟
الأخ: أيوة..
الزائر: انتم ليكم أخ شهيد؟
الأخ: أيوة! أخويا عربي الله يرحمه!
الزائز: أنا كنت زميل أخوك عربي في الجيش، وكنت معاه لآخر لحظة!
الأخ ( ملهوفا): اتفضل.. اتفضل
ودخل الزائر ليسجل شهادته على التاريخ، ويحكي للموجودين قصة استشهاد البطل ولحظاته الأخيرة...
قصة البطولة والفداء
كان عربي مجنداً في القوات الجوية، في "قاعدة المنصورة الجوية" بمدينة المنصورة. وقبيل حرب أكتوبر، وفي إطار خطة التمويه العسكري لحماية الوحدات العسكرية والمطارات الحربية من طائرات العدو الإسرائيلي، قررت القيادة عمل مطارات وهمية بالزراعات للتمويه، وتركت في حراسة قائد وعدد قليل من المجندين.
وبعد عبور أكتوبر المجيد، وفي إطار "معركة المنصورة الجوية" الشهيرة، حاولت إسرائيل بكل شدة أن تقوم بضرب "قاعدة المنصورة الجوية" أيام 7 و 9 و 12 أكتوبر 1973 لكن فشلت بسبب تصدي بطاريات الدفاعات الجوية. و في 14 أكتوبر 1973 حاولت القوات الجوية الإسرائيلية بهجوم كبير تدمير كافة قواعد الطائرات الكبرى بدلتا النيل في كل من طنطا والمنصورة والصالحية ولكن تصدت لها القوات الجوية المصرية في أكبر معركة طائرات في التاريخ، ولكن مع ذلك، حدث أن نجح عدد قليل من المقاتلات الإسرائيلية في التسلل والوصول إلى القاعدة الجوية بالمنصورة لقصفها و قد نجحت بالفعل في قصف الممرات بالقاعدة.
كان "عربي" في خدمته بقاعدة التمويه في الزراعات التي تبعد حوالي 3 كيلومترات ونصف عن القاعدة الأصلية وشاهد القصف الإسرائيلي على القاعدة وتصاعد ألسنة اللهب والدخان الأسود، حاول "عربي" ترك مكان خدمته ليذهب لنجدة الناجين من زملائه إلا أن قائده أمره بعدم الذهاب وتعريض نفسه للخطر، وكان هناك مجنداً آخر بالموقع يركب السيارة الجيب العسكرية وحاول أن يمنعه لأنه متوقع مزيد من القصف ولأن إسرائيل كانت قد اعتادت تأخير توقيت انفجار الدانات بعد إسقاطها في الموقع لتحدث أكبر قدر من الخسائر البشرية حين يتجمع الناس حولها، ودخل الاثنان في شد وجذب، هذا يحاول أن يثنيه عن الذهاب و"عربي" يصر على نجدة زملائه، إلا أنه غافل القائد والجندي وجرى حوالي 3 كيلومترات ونصف في الزراعات وما أن دخل الموقع حتى هبطت دانة أخرى على القاعدة وانفجرت خلال فترة قصيرة فقضت على الجميع.
مراسم التكريم والدفن العسكرية
تم إبلاغ الأهل المكلومين بالخبر، وتمت الإجراءات حسب المتبع، وطلبت الإدارة المعنية بالجيش عدم إقامة "صوان عزاء" في الشارع أو مجلس عزاء أو إذاعة قرآن في البيت أو ممارسة أي مظهر من مظاهر الحزن مراعاة لمشاعر الشعب المصري في هذا الوقت، حيث كثرة الشهداء في كل بيت في هذه الفترة كانت قاسمة للظهر مدعاة للقهر. وتمت مراسم الدفن حسب التقاليد العسكرية للشهيد مع كافة أفراد الوحدة الذين توفوا من جراء القصف الإسرائيلي وعلى رأسهم اللواء قائد الوحدة، أما "عربي" فلم يعثر له على جثة أو حتى رفات تدفن، فتم إعداد مقبرة جماعية رمزية مع باقي زملائه أعدت لهم بالمنصورة ( ليس لها أثر الآن) وكتبت أسماؤهم على لوحة الشرف الرخامية: ولكن للأسف، مع تعاقب السنين وتقلب المحافظين على المنصورة، أزيلت هذه المقابر ومحت الأسماء (ومنهم اسم عربي) وبقت القصة ذكريات في أذهان عدد قليل من الناس، وصور قديمة حبيسة الأدراج.
الشهيد عربي يطمئن أمه على حاله
بعد مرور بعض الوقت على استشهاده، قالت لنا المرحومة جدتي أنها رأته في المنام بعدها بفترة، وقد زارها روحاً خفيفة مبتسماً ليطمئنها على حاله وقد كانت دائمة التفكير فيه ليل نهار، وقالت أنه أخبرها عن حاله وأنه يعيش حيث هو حياة طيبة وأنه قد تزوج!. مصداقاً لقوله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) - صدق الله العظيم.
م. ن
>>>>>>> للتعليق: اضغط هنا <<<<<<<
شهداء أكتوبر - معركة المنصورة الجوية - شهداء مجهولين - الجندي المجهول - شهيد الوطن - شهداء حرب أكتوبر - حرب أكتوبر 1973 - شهداء المنصورة - شهداء القوات الجوية - القوات الجوية المصرية - حرب أكتوبر المجيدة - قصة الشهيد - قصص الشهداء - الشهيد سيد سيد عبد الفتاح السيد - الشهيد عربي - الشهيد عربي سيد عبد الفتاح
تعليقات
اللهم أرحم شهدائنا الذين سجلوا بدمائهم تاريخ هذا الوطن والذين بدمائهم أيضاً أرتوت أرض هذا الوطن .. أشكرك أخى آدمن هذا الموقع المحترم على هذا الطرح القيم الذى أعاد في وجداننا الشعور بالفخر والاعتزاز أننا أبناء وطن (( الشهيد عربى )) هو أحد أبنائه بل أحد أعمدته .. أشكرك لأجل ولائك ولأجل محبتك لأسرتك الكريمة العظيمة التى أنجبت بطل .. أشكرك لأجل أسلوبك الراقى السهل المنظم ذو الذوق الأدبى الرفيع في طرح الموضوع وطرح قصة شهيد بهذا الجمال والتسلسل الجذاب .. وندعوا ونصلى سوياً لأجل روح الشهيد العظيم وروح كل شهيد ضحى بأغلى ما يملك وهى حياته لأجل تراب هذه الأرض الباسلة .. حفظك الله يا مصر وحفظ أولادك