عزيزتي العانس.. هابي فلانتين
وافقت علي الذهاب علي
مضض وأيضاً لأتخلص من ضغوط أمي المتزايدة علي بالذهاب لذلك "السبوع"، وأنا
اعرف مسبقاً ماذا ينتظرني.
لم تكن أمي على تواصل قوي مع تلك العائلة ولم تكن صحتها لتتحمل صداع احتفال صاخب "كسبوع
المولود" ولكنها تدفعني دفعاً للذهاب معها لهدف واحد محموم مسيطر عليها
منذ تجاوزي سن الثلاثين عام بدون زواج: وهو العثور على زوج بأي شكل و بأي وسيله
وكأنني وصمة عار لابد من التخلص منها بأي شكل.
لم تتركني أمي لأرتدي ملابسي في سلام، ارتدت ملابسها في لمح البصر و تفرغت لي و لم تتوقف عن الكلام عن أهمية تلك الزيارة أو عن ضرورة تصرفي بالشكل اللائق أو توسيع دائرة العلاقات لعل الله يأتي بالفرج.
لم نكن بحاجه إلى طرق
الباب ، فقد كان مفتوحا تهل منه رائحة المغات المميزة مختلطة برائحة السمن و مزيج
من رائحة الأنفاس و العرق و اختلاط الكتل البشرية، دخلت أمي أولا و دخلت ورائها
مراعاةً للأصول و أيضا نظراً لخجلي من جميع الموجودين هناك فلم أكن اعرف أيا منهن
وعلي الرغم من ذلك فقد كانت سمعتي "كعانس" تسبقني فمنذ اللحظات الأولي
لدخولي ولم تتوقف جدة المولود عن قرائه المعوذتين و المبالغة في ذكر رقم خمسه و
الصلاة علي النبي و لم يتبقى إلا أن (تخمس) في وجهي حتى تتقي شر عيني في إلا احسد
ابنتها أو مولودها. لم تكن تلك هي المرة الأولي التي أتعرض فيها لذلك الموقف المهين، وما
ذاد الطين بله هو طريقه أمي في تقديمي للمدعوات و كأنها تتسول بي، كان وقع كلمات
المدعوات في أذني كقطرات من محلول الكبريتيك الحارق:
- يا حسرة و الله دي ما تتعيب ابداّ.
- حلوة و متدينة و ست بيت شاطرة انا عارفه و الله البخت مايل ليه.
- ده اصغر منها و أوحش منها كتير و بيتستروا و بيلاقوا اللي يسترهم.
لم تتوقف الإهانات
المباشرة و غير المباشرة عند ذلك الحد،
فكلما حاولت التلهي مع إحدي المدعوات بأي
نوع من أنواع الحديث سرعان ما ينتهي الحوار إلى نفس النقطه انني "عنست"
و لابد من اللحاق بقطار الزواج بأي وسيله وكأن المشكلة في أنا او كأنني قد قصرت في
أيا من واجباتي "كأنثي" في اصطياد العريس المناسب.
قمت لأهنئ والدة
المولود و أن أضع في حجر المولود النقوط كما تقتضي التقاليد في مثل تلك المناسبات
فما كان من أم المولود ان صاحت :
- والله ما له لزمه خللي فلوسك
معاكي تنفعك و أسرعت بقراءة المعوذتين...
لتتقي شر عيني الحسودتين و لتدرأ شري "كعانس" تحاول أن تقبل مولودها،
وسألت جده المولود أمي في مزيج من الوقاحة و الصراحة :
- هي بنتك طاهرة ؟ الحاجات دي مافيهاش زعل يا حبيبتي لأحسن بنتي تتشهر
ولا اللبن يتكبس في صدرها!!!
لم انتظر لسماع رد
أمي ، استأذنت في الذهاب إلي الحمام اصطحبتني طفلة في سن العاشرة الي هناك و ما أن
دلفت إلى الحمام و أغلقت الباب ورائي حتى أجهشت في بكاء حار و مر، لم اهتم
اذا ما كان ماكياجي سيفسد من دموعي ،
لم أعرف ما هي مشكلتي أو ماذا أفعل لأغير
من نظرة الآخرين و المحيطين بي لي، فقط أريد أن أعرف ما هو الشئ الذي قصرت فيه
ولذلك لم أتزوج كباقي الفتيات؟
تعلمت كباقي الفتيات ودخلت الجامعة كباقي الفتيات و تخرجت بعد أربعة سنوات بدون أن ارسب ثم التحقت بالعمل في احدي الشركات و لي دخل مستقل عن أسرتي بل و أساهم في مصروف البيت أيضا و أساعد إخوتي في دروسهم بعد عودتي منهكة من العمل كما أساعد أمي في جميع المهام المنزلية بدون كلل حتى يوم أجازتي استيقظ مبكرة لأساعد في اي مهمة مطلوبة: وكأنني في "بنسيون" علي أن أقوم بجميع تلك المهام نظير إقامتي، حتى إخوتي تغيرت نظرتهم لي ، أيعتقد أخي الأصغر أنني لا ألاحظ كيف يسارع بتحويل قنوات التلفاز إذا ما جاء مشهد لحفل زفاف أو عروسين معا لا اعرف ماذا يدور بعقله أيعتقد انه يحميني بذلك ولا يريد أن يجرح مشاعري؟ أيعتقد انه بذلك سيجعلني انسي أنني قد تجاوزت الثلاثين منذ سنوات بعيدة دون أن يطرق باب منزلنا العريس المناسب؟ أيعتقد أخي انه بذلك لن يذكرني بكلمات أمي الملتاعة عندما تذكرني بأنني أخطأت في تضيع فرصة العريس الذي تقدم لي منذ سنوات و رفضته بسبب كبر سنه؟ لماذا أري دائماً نظرة الإشفاق في عيني والدي و كأنني مريضة بالسرطان و احتاج للعلاج و نظرات الإشفاق معا. أريد أن اعرف فقط لماذا أصبح الرجال يصنفوني تصنيفا غريبا: فمنذ أن تجاوزت الثلاثين و جميع من يتقدمون لي إما كبار سن أو متزوجون أو أرامل و يحتاجون لأم بديلة لأبنائهم أو رجال يعملون بدول عربيا أو أوروبية ويريدون زوجة تؤنس وحدتهم في بلاد الغربة، وان جمع بين جميع هؤلاء العرسان علي اختلافهم قاسم مشترك عجيب:الجميع يريد أن يبخس بحقي في مهر كريم يضمن لي تجهيز نفسي بشكل لائق أو لا يريد إقامة فرح علي اعتبار أنني قد كبرت علي ذلك بل إن بعضهم يريدني بشنطة هدومي علي حد قولهم لأعيش في شقة زوجته الراحلة او مطلقته و ربما بنفس الأثاث القديم وكأنني ليس لي الحق ككل النساء في اختيار أثاث علي ذوقي الخاص . وما أن أرفض هؤلاء العرسان حتي تبدأ أمي في لومي و تعنيفي و الضغط علي نفسياً و كأنها قد أزالت عقلها و أغمضت عينها عن رؤية الحقيقة وعن تقييم ذلك العريس بما يتناسب مع ابنتها : أتريد تزويجي لمن هو اقل في المستوي المادي او التعليمي او حتى من يكبرني سناً بخمسه عشر أو عشرين سنة فقط لتتغير خانة الحالة الاجتماعية في بطاقتي من آنسة الي متزوجة. بغض النظر عن من يكون هذا الزوج أو ظروفه أو سنه؟
أفقت من شجوني على صوت طرقات علي باب الحمام
رددت بصوت مكتوم:
- حاضر خارجه اهه.
أسرعت بغسل وجهي ومن بين دموعي المنهمرة نظرت إلى المرآة و كأنني أشاهد وجهي للمرة الأولي من تلك الزاوية: لأول مرة انتبه إلى ان وجهي قد تسربت إليه التجاعيد .لم يعد وجهي نضراً كما كان. لم اعرف كيف لم انتبه لذلك من قبل. لم يعد يهمني ذلك كثيرا الآن. لن أضع ماكياجا آخر، سأخرج للمدعوين كما أنا بوجهي الطبيعي كما خلقني الله بدون تجميل مصطنع.
استجمعت قواي و خرجت
من الحمام، نظرت إلي أمي في ذهول و ارتياع و أسرعت بالاستئذان:
- معلش اصل الحاج لوحده، مبروك ما جالك يا نجلاء.
تأبطت زراعي هابطين درجات السلم معاً، لم أكن اسمع أي شئ مما تقوله فقط شردت بذهني بعيداً و أنا أفكر في كيفيه مواجهة الغد، يوم العمل التالي: فهو يوم "الفلانتين" ،عيد الحب، ما أن وصلت المنزل حتى أغلقت علي باب غرفتي وأسرعت بطلب محل الورد القريب من مقر الشركة :
- أهلا يا أستاذة أبعت الورد زي كل مرة باسم رئيس مجلس الإدارة والتهنئة
بدرع التفوق من وزارة التجارة؟
- لا يا عم محمد ابعته
باسمي علي الشركة واكتب على الكارت : "هابي فالانتين ..مع حبي وتقديري".
تمت
إذا أعجبك الموضوع: تابعنا باستمرار من خلال صفحتنا على الفيسبوك: مجلة لاكي سترايك أو على تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك | للتعليق: اضغط هنا
|
#عنوسة #عانس #عيد_الحب #فالنتين #فلانتين #الحب #العانس
تعليقات