كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس
ما سأرويه الآن ربما لن يؤثر أو يمس قلوب
الكثيرين، فقد يعتبره البعض حاله فرديه تخص سيده أجنبيه أشهرت إسلامها ولكن
الواقع غير ذلك فهي معاناه صامته لا يشعر بها إلا من عايشها.
عرفتها منذ سنوات بعيده، سيده سويسريه فاضله
جمعت بيننا فترة زماله في عمل ما بقطاع السياحة، وفرقتنا الحياة بتعقيداتها حتى
تلقيت مكالمه منها طالبه لقاء سريع بأحد المقاهي السياحيه القريبة أسرعت للقائها
وفاجأتني بالأمر:
-كم
كانت المهمة شاقه جداً على وأعانني الله بفضل منه: جدل ومناقشات لأسابيع طوال وأسئلة
تؤدي إلى المزيد من الأسئلة وبالطبع الطرف الثالث الحاضر دائما في تلك المناقشات:
كان الشيطان اللعين والذي كثيرا ما كان يجعلها تتردد في الإسراع بهذا القرار ويجعلها
تتشكك دائما في جدوي الأمر برمته. وبعد جدال طويل، قابلتها بعد فترة وقد أشهرت
إسلامها وارتدت حجاباً بسيطا منحها مزيداً من الوقار والاحترام.
والحقيقه أنني لم افهم معني كلمه قبول الآخر
التي يرددها الإعلاميون كثيرا هذه الأيام إلا بعد أن رأيت كيف يعاملها اصدقائها من
بني جنسيتها الذين احتفظوا بدياناتهم الأصليه بل بعضهم بدون ديانة على الإطلاق، فهم
جميعاً كما كانوا على عهدهن: صداقه عميقة ومتينة رغم اختلاف المعتقدات.
وفرقت بيننا الحياة مرةً أخرى حتى تلقيت مكالمة
هاتفيه منها تريد لقائاً في المقهي السياحي القريب بالطبع ذهبت مسرعاَ، هالني شحوب
وجهها وعصبيتها :
- تعرف كثيراً انني أثق بك و أريد ان أتكلم
معك.
- خير ؟
- روت لي العديد مما هالني، فقصه إسلامها يتقبلها
أهلها واصدقائها و بعضهم ملحد ولا يؤمن بوجود إله من الأساس وكلهم يعاملونها برفق
تام ويحترمون قرارها ولكن المشكلة هي المجتمع المصري ذاته: هو الذي يعاملها وكأنها
كائن من كوكب أخر وأصل المشكله أنها اسلمت الا انها لم توثق اعتناقها باوراق رسميه
مصريه فلقد تصادف اسلامها واراد الله ان يتم في المركز الإسلامي بوطنها الأم وليس
بمصر وشهادة اعتناق الإسلام التي تحملها غير معترف بها هنا !!! وما زاد الطين بله أن
التأمين الاجتماعي والصحي ببلدها الأم سويسرا ـ من أرقي انواع التأمين ولا تريد ان
تخسره بتنازلها عن جنسيتها، فهو يشملها كما يشمل ابنها الصغير باعتبارهما مواطنين
سويسريين ولذلك فهي مازالت تحتفظ بجواز سفرها السويسري.
وكانت
اول صدمه عندما ذهبت لتسجيل مولودها مع زوجها المصري (وبالمناسبه فللأسف لم يكن
لهذا الزوج أي دور في إسلامها أو تخفيف معاناتها الفكرية فقد تركها لتختار ولم يشارك
نظرا لضعف معلوماته الدينيه واللغويه) نظرت إليها الموظفة المصرية الصميمة باستخفاف
وقالت :
قال الزوج :
-الأم مسلمه وهذه شهادة من المركز الإسلامي
ببلده....
- قالت دي مش مختومه لا ختم نسر ولا أزهر إيه
اللي يثبت انها مسلمه؟
- دي ترجمه معتمده من السفارة السويسرية وموثقه
من الخارجية.
قبل ان تنظر للورقه اسرعت بشطب خانه ديانه
الأم في شهادة ميلاد الطفل وقالت:
- معنديش في اللوايح حاجه بتقول كده.
وظلت شهاده ميلاد الطفل منذ تاريخه تحمل شرطه
طويل في خانه ديانه الأم!!!
كثيرا ما حاولت السفر للقاهرة لإشهار اسلامها
بالأزهر إلا ان ثورة 25 يناير وما أعقبها من فترات اضطراب حالا دون ذلك.
سالتها حين قابلتها:
- ما الذي حدث؟ لماذا انت شاحبه اللون؟
روت
لي ما هالني فقد كانت في منطقه البازارات السياحيه مع اصدقاء لها جئن لزياره مصر والاستمتاع
بشواطيء المدينة الساحلية الصغيرة على شاطئ البحر الأحمر وفي البازارات بدأت السماجة
اليوميه من جانب البائعين في تلك البازارات المصاحبه لكل سائح يدخل السوق: شد وجذب
(للزبائن) كما يحلوا لهم تسميتهم ووضع
احدهم ذراعه على صديقتي رغم ارتدائها الحجاب وتحدثها معه بعربية بسيطة فقالت له
برفق :
-لا تلمسني ولا تضع يدك على.
- قال لها ليه انت مش خواجايه زيهم؟
وكأنه حق مستباح له ولأمثاله، فقط لأنهن أجانب
فيبيحون لأنفسهم لمس أجسادهن والتحرش بهن. قالت له:
- انا مسلمه زيي زيك
- قال لها: انتي زيي؟ ازاي ؟؟؟
- داحنا مسلمين ابا عن جد مش زيكم داخلين
الإسلام بالفيس بوك، يومين وتغيروا دينكم؟؟
بالطبع قد يغيرن أو يغيروا دينهم ويرتدوا عن الإسلام
مرة أخرى بسبب ما يرونه وما يقاسينه من امثال هؤلاء.
تركته واتجهت مع صديقاتها إلى كافيه قريب ليشربن
المثلجات ويسترحن من عناء الجولة وسرعان ما أخرجت بعض صديقاتها علب السجائر ليدخن وبعضهن
طلبن مشروب كحولي (البيره) اما صديقتي فلم تدخن وطلبت مشروبا غازيا عاديا وبدأن يتجاذبن
أطراف الحديث وهنا نادها رجل يقول انه مسلم كان أمامه على الطاولة زجاجتين من
البيرة و(المزه) في هذا المقهى السياحي وقال لها:
- لا يحق لكي بهذا الحجاب ان تجلسي في مكان
كهذا فانتي بذلك تسيئين إلى الإسلام !!!
نظرت
له السيده باستغراب شديد كيف يجرؤ على التدخل الصارخ في حياتها بهذه الصورة قال
لها:
- مادمت دخلتي الإسلام فلابد لكي من إحترام
حجابك وعدم الجلوس معهن.
نظرت
المجموعه لصديقتي وللرجل مستغربين عن فحوي تلك المناقشه قالت له صديقتي :
- بل انت الذي لا تعرف شيئا عن الإسلام، كيف
تحادث امرأه غريبة عنك؟ وكيف وأنت مسلم تحتسي البيرة في العلن وتدخن سيجاراً محشواً
ومع ذلك لا تستحي من الله بل تنتقد إسلامي وأنت لا تعرفني أو تعرف عني شئيا او عن
صلاتي او صيامي؟؟ قال لها بمنتهي الجهل:
- أنا راجل وانتي امرأة افعل ما اشاء اما
انتي فلا!!!.
ليس
هذا هو الموقف الوحيد الذي روته لي فقد كنت اعتقد ان الناس تبتهج لرؤية هؤلاء
المسلمين والمسلمات الجدد، كما ابتهج أنا، ولكن الواقع يقول غير ذلك فهم يرون من
المسلمين في مصر عكس ما يقرأن عن تعاليم الإسلام للأسف: تكاسل عن العمل وبطالة
مقنعه واختلاس النظر للنساء إذا لم يكن احد ينظر إليك أو يراقبك ناهيك عن الذنوب والكبائر
الفعلية التي يفعلها الكثيرون بمسميات مختلفه بل جهاراً نهارا كثيرا ما يشاهدون ويشاهدن
من لا يصوم ويدخن في نهار رمضان او لا يصلي رغم ارتفاع صوت الآذان ناهيك عن من
يتزوجون من أجنبيات ويجبرهن على اعتناق الإسلام ولكنهم لا يرينهن شيئا من صحيح الإسلام
سواء في التعامل معهن او مع غيرهن لذلك كثيراً ما شاهدت ذلك بأم عيني: ما أن يحدث خلاف
ويقوم الزوج بضرب أو تعنيف هذه الزوجه اول ما تكفر به وتخلعه هو الحجاب وقد ترتد
عن الإسلام وحتي وان لم تعلن ذلك فالسرائر
لا يعلمها الا الله.
ربما لا يشعر الكثير من القراء بما اكتبه
الان، ربما لأن القاهرة من الضخامه بحيث لا يوجد بها مثل تلك الحكايات ولكن في
المدينه السياحيه الصغيره متعدده الجنسيات والجاليات فالأمر مختلف: فكثيرا ما تري أثناء
تجوالك مجموعه من الزوجات والأمهات كل جالية تجلس في ركن معين يومياً في حديقه ما،
منهن من اسلمت وارتدت الحجاب ومنهن من لم تسلم وتري تناغماً عجيبا وتقبل لمن أسلمت
منهن ومن اسلمن بدورهن لا يحاولن إجبار الأخريات على اعتناق نفس الدين، تجمعهن
رابطه اللغة الواحدة والجنسية الواحدة ولهن صفحات و(جروبات) في مواقع التواصل الاجتماعي
يتواصلن من خلالها دون تدخل في خصوصيات الآخر أو التعرض لدينه بأي شكل من الأشكال.
آخر ما اختتم به: بعد نقاش طويل من جانبي ومحاوله
إقناعها أن هؤلاء ليسوا هم الإسلام ولا يمثلونه والإرهابيين والقتلة ليسوا هم الإسلام
وكذلك ما شاهدته من احداث سياسيه لفصيل سياسي او ديني من قتل وسفك للدماء ليسوا هم
الإسلام والإرهابيين وقتلة الجنود والضباط الذين يستشهدون يومياً، ليسوا هم الإسلام
قالت لي بالحرف الواحد:
- احمد الله انني قد أسلمت قبل أن اري من
المسلمين ما أري اليوم فلو علمت أنهم كذلك
قبل إسلامي فلم أكن لأتكبد جميع تلك المشاق.!!!
تعليقات