الحجر المخلوع - قصة واقعية من الحياة
كانت ليله شديدة البرودة من ليالي شهر ديسمبر و تحديدا ليله الخامس و العشرين, كنت قد تعودت علي قضاء تلك الليلة بصحبة عائلة ألمانية صديقة تقطن بالمحافظة الساحلية التي اقطن بها منذ سنوات بعيدة, و تربطني بهم صداقة قديمة و قبل أن نبدأ بالطعام قامت صاحبه الدار ووقفنا جميعا رفع معظم الحضور كئوس النبيذ و قالت : نشكر الرب على هذا الطعام الطيب, والأصدقاء الأوفياء و لا ننسي الصلاة لإيميليا فالموقف بحق يزداد تعقيدا يوما بعد يوم, أومأ الحاضرين و بعضهم قال : آمين و تجرعوا كؤوس النبيذ بعد أن قرعوها سويا.
ما أن انتهيت من تناول الطعام حتى انتحيت بالسيدة صاحبة الدار جانبا و سألتها من تكون ايميليا؟ فلا اذكر أنني قد قابلتها عندكم من قبل.
تنهدت السيدة تنهيدة عميقة و قالت في أسي: هي صديقة لنا, شابه مفعمة بالحيوية إلا أنها لم تحسن الاختيار وتزوجت شخصا ما لا نعرف بالضبط كيف استطاع ذلك و لكنه قد سرق جميع أموالها و بوسيلة ما استطاع أيضا إجبارها علي أن تسحب كامل رصيدها بالبنك في ألمانيا وهو أيضا يعتدي عليها بالضرب و التعذيب لأتفه الأسباب..
- هل حاولتم إبلاغ الشرطة, فالأمر ليس فوضي؟؟
- نعم حاولنا و لكن قال لنا الضابط حرفيا:لا يمكن قبول البلاغ منكم لابد من أن تتقدم الزوجة ببلاغ رسمي و انتم لستم ذوو صفه و و....
- قاطعتها و لماذا لم تقم ايميليا نفسها بإبلاغ الشرطة؟
- الرجل قطع خطوط الانترنت والتليفون الأرضي, اخذ منها الهاتف المحمول منذ اشهر كما أنها محبوسة داخل منزلها...ربما يمكنك المساعدة بشكل أو بآخر هل تستطيع إبلاغ أحدا ما يمكنه التدخل فأنت مصري ربما يكون حاجز اللغة و الجنسية هو ما يحول من عدم قدرتنا علي المساعدة.
- أين تسكن؟ما هو عنوانها و ماذا يعمل زوجها؟ فمازلت أصر علي أن الأمر ليس فوضي.
شرحت لي السيدة أين يقع منزل ايميليا و هو حقا منزل مميز في احدي ضواحي المدينة الهادئة و هو شبه معزول عرفت المنطقة بالتقريب ووعدتها بالتفكير في الأمر.
وطوال رحله عودتي إلي منزلي لم استطع إيقاف عقلي عن التفكير في الموضوع..كنت قد سمعت عن حكايات شبيه بتلك القصة الا أنها كانت اقل عنفا.
غلب فضولي عقلي وأساليب التفكير المنطقي داخلي و قررت الذهاب في اليوم التالي و هو عطله رسميه, فقط لمشاهده المنزل من بعيد و استطلاع الأمر.
عرفت لاحقا و علي مدار شهور كقطع صغيرة من لعبة تجميع الأشكال, أن ايميليا كانت فتاه مرحه منطلقه في مقتبل العمر وتعمل مهندسة مساحه بألمانيا و لها هواية وحيده و هي ركوب الدراجات البخارية و كثيرا ما قامت مع أصدقائها برحلات علي متن دراجتها البخارية بل و اشتركت أيضا في سباقات دوليه للدراجات البخارية كسباق رالي باريس- داكار وكان عشقها الأول والأخير هو الصحراء تجوبها في انطلاق و حيوية و هي لا تكاد تحمل للدنيا هما, حتى قادها حظها العاثر و في احدي تلك الرحلات إلي رحلة سفاري بالدراجات البخارية و هناك تعرفت علي (م) و بالفعل استطاع أن يلفت نظرها و تعددت لقاءاتهما سوياً لأجازات متتالية بعد ذلك... و رغم عدم موافقة أهلها لوجود اختلافات كبيرة في الديانة و الخلفية الثقافية واللغوية إلا أنها لم تلق بالا لجميع تلك التحذيرات واستقالت من عملها و باعت كل ما تملك من مدخرات حتى الدراجة البخارية باعتها و استقلت الطائرة لتحقق حلمها في الاستقرار و الزواج بجوار من اختاره قلبها و بالفعل أقنعها (م) بشراء ذلك المنزل القريب من الشاطئ وأنهما باستطاعتهما بالمتبقي من المال تأسيس مكتب صغير لتنظيم رحلات السفاري.. كم كانت الصورة و رديه و رومانسية و بالفعل اشترت الفتاه المنزل إلا انه وللأسف و للثقة الزائدة كان عقد الشراء باللغة العربية تبين لاحقا أنهم عقدين احدهما شراء للمنزل و الأخرهو بيع لنفس المنزل للزوج مدمجين معاً, بعدها بدأت رحله الشقاء بعد أن اكتشفت ايميليا الخدعة فسرعان ما تبدل الحب إلي عنف غير مبرر و ضرب مبرح بل و تعذيب بإطفاء السجائر في أنحاء من جسدها و غير ذلك .. حتى جن جنون الزوج عندما رفضت بشده بعد أن حاول إجبارها علي سحب الجزء المتبقي من أموالها بحسابها بالخارج فصب جام غضبه عليها ضربا و ركلا وصفعا وقام بتحطيم جميع الهواتف بالمنزل سواء الثابتة او النقالة بل و قطع سلك الاتصال بالانترنت .
وصلت الي المنزل... لم يكن صعبا علي تمييزه فهو في منطقة هادئة تماما ,تميزه وجود نخلة كبيره أمامه إلا أن حديقته الخارجية تشبه قفص حديدي كبير فبالإضافة للبوابة الحديدة الكبيرة المصفحة كان المنزل محاط بسور حديدي قوي يعززه و جود شبكه قويه من الأسلاك ليس علي السور فقط و لكن الحديقة نفسها كانت مسقوفة بتلك الشبكة الحديدية أيضا, أوقفت سيارتي علي مسافة بعيدة نسبياً و تفحصت المكان فتبينت و جود سوبر ماركت وحيد علي الطريق و كان مثبتا بواجهته كاميرا مراقبه, تحركت بسيارتي قليلا في اتجاه منزل ايميليا و كنت ارتدي قبعة رياضية و نظارة شمسية كبيره فلم أكن أريد أن يتعرف احد علي في حاله حدوث مالا يحمد عقباه, ترجلت من السيارة و فتحت غطاء المحرك الأمامي متظاهرا بتعطل السيارة ... و انتظرت طويلا فلم أشاهد أي دليل علي وجود حياه داخل المنزل.. توقف سائق تاكسي بجوار سيارتي:
- اي مساعدة يا نجم؟
- الف شكر يا زعيم, الميكانيكي جاي في الطريق,, الكهربا قطعت و..
- لم يمهلني لاستكمال قصتي المفبركة و انطلق قائلا:
- ده حوار ربنا معاك يا خويا...
كنت احتاج للاقتراب أكثر من المنزل أخرجت زجاجه مياه فارغة من السيارة علي الرغم من أن نوعيه سيارتي لا يمكن تشغيلها بمياه الصنبور !!! وعبرت الشارع في بطئ في اتجاه المنزل لم أتوجه للبوابة الرئيسية مباشرة بل قمت بالالتفاف حول المنزل لعلي أجد ثغره ما... نفس درجه التأمين و الأسلاك و القضبان الحديدية و كأنه سجن صغير أو قفص لحيوان ما و في الفناء الخلفي للمنزل يوجد ما يشبه مكان للشواء مددت يدي لأتحسس الحديد و لكني سحبت يدي سريعا ... ربما يكون الحديد أيضا مكهربا... مددت يدي نحو القاعدة الحجرية المثبت بها الحديد بالسور كانت الأحجار من نوع القرميد الحراري دفعت حجرا منهم فتحرك مع يدي وربما يكون قد خُلع من قبل بفعل عوامل التعرية..تأكدت من عدم وجود كاميرات مراقبه بالمنزل نفسه وعدت إلي واجهه المنزل في حذر و مددت يدي نحو جرس الباب استجمعت شجاعتي و ضغطت الجرس انتظرت للحظات بدت لي كالدهر ... و لحسن الحظ فتحت ايميليا الباب الخشبي للدار و كان يفصلها عني حديقة المنزل ذاتها و البوابة الحديدية.. لم أكن متأكدا إذا ما كان زوجها بالداخل أم لا .. رفعت زجاجه المياه لتراها و أشرت إلي السيارة دون أن أتكلم:
- صاحت بانجليزية ركيكة: أيا ما كان الذي تبيعه فلا نريد شيئا.
- قلت باللغة الألمانية: أرجوك, احتاج المياه لسيارتي برجاء ساعديني.. مياه فقط من صنبور الحديقة.
و لحسن الحظ اقتربت مني مسافة المترين في ارتياب و بدأت بسحب خرطوم الري و همت بإدخال طرفه في الشبكة الحديدية حتى أستطيع ملئ الزجاجة.
- قلت بصوت خافت: سيده ايميلي انا صديق للسيدة "انجيليكا فريتز" و قد روت لي قصتك و قالت انه ربما أستطيع مساعدتك.
نظرت إلي في ارتياب ثم إلي بوابه الدار الخشبية والسقف الحديدي للحديقة و قالت بيأس :
- لن تستطيع مساعدتي ستعرض نفسك و تعرضني فقط للمشكلات اذهب.. و همت بالدخول مره أخري للمنزل صحت :
- انتظري من فضلك قد أستطيع المساعدة بشكل أو بآخر فالأمر ليس فوضي,, يوجد حجر قرميد مخلوع بجوار الشواية خلف الدار.. أول صف اكتبي لي أي شيء تحتاجينه أو رقم أي شخص أستطيع التواصل معه لمساعدتك فكري بشيء ما .. إجازتي الجمعة و السبت من كل أسبوع سأمر الأسبوع القادم وسأبحث تحت الحجر ربما أستطيع المساعدة .. نظرت إلي نظره مبهمة طويلة قالت بعدها :
- أنت لا تفهم فقط اذهب و استدارت عائده إلي المنزل, صحت وأنا أتشبث بأخر أمل :
- اكتبي من فضلك أي شيء..
استدرت عائدا إلي السيارة و إنا شارد الذهن فالفتاه شبة ميتة,, كانت اثار الحروق بادية عليها وأيضا أثار سوء التغذية.. لم يكن لدي خطه ما, فقط الرغبة في المساعدة ربما ستكتب رقم هاتف أو اسم شخص يمكن اللجوء إليه ورغم خوفي من العواقب التي قد تحدث و من أن زوجها قد يكتشف الأمر بل حتى همس الشيطان في أذني:
- وما يدريك أن السبت القادم لن تجد ايميليا و زوجها في انتظارك بعد أن تكون قد أوشت بك لديه؟؟؟
فحقيقة فهي تبدوا كمن تم غسل مخه بالكامل و ربما تكون مصابه "بمتلازمة ستوكهولم", انتصرت علي مخاوفي لان الخير لا يأتي إلا بخير و ربما أستطيع المساعدة.
و بالفعل في الأسبوع اللاحق انطلقت بالسيارة مره أخري وأوقفتها بعيدا عن السوبر ماركت و مجال الكاميرات وانطلقت نحو المنزل من الخلف تسارعت أنفاسي وارتفع صوت دقات قلبي و أنا أمد يدي نحو الحجر و رفعته...
وبالفعل وجدت ورقه صغيرة موضوعه أسفل الحجر, التقطها مسرعا ووضعت الحجر موضعه انطلقت سريعا باتجاه سيارتي لاهث الأنفاس فتحت الورقة فوجدتها، كشف حساب صغيرمن أوراق" محلات الديلفري" و مكتوب عليها بنوع من أنواع أدوات التجميل و ليس بقلما عاديا.. فربما صادر الزوج الأقلام من المنزل أيضا..
- كان مكتوبا فقط: "برجاء الاتصال عبر البريد الاليكتروني بالسيد: "يواخيم جيرمرزهاوزين" من نادي أخوية هارلي ديفيدسون" ...
ما هذا الغباء لم تكتب عنوان البريد الاليكتروني و ماذا يستطيع هذا الشخص فعله إذا كان بألمانيا هل أعود لأضع لها ورقه أخري بأنني احتاج إلي البريد الاليكتروني؟؟ ماذا لو اكتشف احد الأمر؟؟
عدت إلي منزلي فتحت جهاز الحاسب الآلي و بدأت في البحث عن "نادي أخوية هارلي ديفيدسون".. و بالفعل عثرت عليه : نوع من أنواع الرابطة لمحبي الدراجات البخارية تصفحت أكثر فوجدت أن مؤسس الرابطة هو بالفعل: يواخيم جيرمارزهاوزين!! فمن يكون ؟ اهو احد أقاربها؟ ام صديق لها؟ انتقلت إلي الموقع الأكثر كُرها بالنسبة لي: "الفيس بوك" و بالفعل و جدته ووجدت صوراً لأمجاد و بطولات ورحلات عبر القارات بالدراجات البخارية و جميعهم شباب ضخام الأجسام يرتدون الجينز و الاحذيه الجلدية طويلة الرقبة و رسومات الوشم تعلو معظم أجزاء أجسامهم و الفتيات أيضاً معظمهن لديهن وشم و يرتدين نفس الزى...
و بالفعل عثرت علي أكثر من صورة لايميليا مع المجموعة بل قاموا بزيارة لمصر وجابوا بالدراجات البخارية ساحل البحر الأحمر مرورا بالصحراء الشرقية وصولا إلي نهر النيل تذكرت تلك الرحلة و تغطية الصحافة لها...
إذن فهو الشخص المقصود:استجمعت شتات فكري وأرسلت إليه بريد اليكتروني مُطول شرحت فيه القصة كما هي و أكدت له أن ايميليا تريد المساعدة.. و لأتأكد من انه سيفتح البريد الاليكتروني كتبت في العنوان: أنقذوا ايميليا ..
أرسلت البريد الاليكتروني و بعدها بأيام تلقيت ردا مقتضباً منه: بدون تحيات أو شكر او أي ديباجه ما نصه:
- تلقينا بريدك و سنتخذ اللازم, المطلوب منك هو تصوير المكان من كافه الزوايا مع رسم كروكي للشوارع المحيطة و شكرا.
ما هذا الهراء ؟؟؟ و لماذا صيغه الأوامر تلك ؟؟ بالرغم من ذلك فرحت تماما بالبريد الاليكتروني طبعته و انطلقت إلي المنزل مره أخري و بالفعل وضعته تحت الحجر بعد ان طويته بعناية و لكني وجدت ورقه أخري من ايميليا مكتوبة بخط ردئ: أسرع الأمر يزداد تعقيدا ... يجبرني علي تناول مشروبات ذات رائحة كريهة.. يضربني طلبا للمزيد من المال..
رغم قسوة الكلمات ووقعها السيئ علي نفسي بدأت في حذر شديد في التقاط صور للمنزل و الشوارع المحيطة وعندما عدت إلي المنزل رسمت خريطة بسيطة للموقع حددت فيها الاتجاهات قدر المستطاع رغم ما تمتاز به المدينة من عدم وجود أسماء للشوارع وأرسلت كل ذلك الي "يواخيم"
- جاءني الرد بعد أيام: مُمتاز .. العملية ستتم بعد شهر.. شكرا.
لم اعرف ما هي (العملية) راسلته عده مراسلات عرفت بعدها انه ينوي هو و أصدقائه الحضور إلي المدينة و القيام بخطف ايميليا والعودة بها إلي ألمانيا.. للأسف لم يفصح لي عن الكيفية رغم توسلي فالموضوع ليس سهلاً.
واظبت كل يوم سبت علي الذهاب إلي منزل ايميليا متبادلا معها الرسائل حتى فاجأتني برسالة:
- قل لهم أن يسرعوا فقد اجبرني علي الحمل منه ليربطني به أكثر و أكثر لا اعرف ما يجري مازال يجبرني علي تناول أشياء غريبة أصبحت مشوشة الذهن...
و في رسالة أخري:
- النزيف لا يتوقف .. احلام مرعبه.. اسمع اصواتا و أرى أشياء مخيفه.. لا أمل...
كتبت لها:
- ربما هو نوع من السحر ليجبرك علي سحب المزيد من الأموال.. لا تتناولي شيئا منه بعد الآن.. اقترب الموعد...لاتقلقي.. لن اتركك...
لا اعرف ما الذي حدث انقطعت الردود من جانب "يواخيم" لمده 5 اشهر.. أصبحت فقط أضع الخطابات أسفل الحجر ولا أتلقي أجوبه أيضاً.. أهي خدعه ما. ؟هل كشف الزوج أمري؟؟
أعددت خطه بسيطة.. ارتديت قميصا قديما والقبعة الرياضية وتوقفت قرب السوبر ماركت اشتريت بعض الألبان والمواد الغذائية وأصررت علي اخذ فاتورة بسعر السلع و انطلقت علي مهل إلي المنزل منتحلا شخصيه صبي توصيل الطلبات للمنازل و طرقت جرس الباب عدة مرات فتح الباب الخشبي الزوج: روعني منظره ضخم الجثة ذو ملامح حادة و تبدو عليه علامات السُكر الواضح و تقدم من البوابة الحديدية صبي أخرربما في السابعة عشر من عمره و يبدوا من ملامحه انه أخ للزوج: قال بلهجة أهل الجنوب :
- ايه عاوز ؟؟
- مش ده رقم 17
- ما بتعرفش تجرا والاايه؟ ده 7, يالاغور, مطلبناش حاجه.
لم أرد لفت الانتباه أكثر من ذلك رددت:
-معلش معلش, وتظاهرت بمراجعتي لورقه الحساب و انطلقت مسرعا وأنا ادعوا الله ألا يناديني الزوج مره أخري.
وأسرعت إلي شارع جانبي لالتقط أنفاسي..
في الأسبوع اللاحق لم يكن هناك أي خطاب و لكن لحسن الحظ وقفت بعيدا قليلا لأراقب المنزل من بعيد فلمحت الزوج يخرج مُترنحا من البيت آمرا أخيه بكلمات مقتضبة:
- خلي بالك من "المره"
ففهمت سبب تغيب ايميليا ان الزوج يحضرذلك الفتي لمراقبتها أثناء غيابه لم أرد أن ينكشف أمري أكثر من ذلك أو أن يظهر وجهي بكاميرات المراقبة بالسوبر ماركت أكثر من ذلك رغم أني كنت أتعمد إخفاء وجهي بالقبعة والنظارة الشمسية . و كثفت من مراسلاتي "ليواخيم" حتى فاجئني بالرد: قادمون يوم الجمعة القادم والعودة اليوم التالي برجاء الانتظار بالمطار . طائره فرانكفورت, وصول 19:45 , شكرا
ارتفعت دقات قلبي بعنف: فها قد حانت اللحظة؟؟ تري ما هي خطتهم؟؟ و لماذا يعتمد علي ذكائي إلي هذا الحد ؟
حمدت الله علي بعض الخبرة والعلاقات التي اكتسبتها من فتره عملي بمجال السياحة : طبعت ورقه مكتوبا عليها: "السيد يواخيم جيرمارزهاوزين" و ذهبت في الموعد المحدد, طال الانتظار وخرج جميع المسافرين من صالة الوصول منذ وقت طويل, لم يبق إلا أنا بالخارج اتصلت بأحد أصدقائي والذي يعمل ضابط حركه بشركة الطيران و لديه تصريح بدخول صالة الوصول والسفر:
- ازيك يا (جو) بقولك.. أنت شغال علي فرانكفورت؟
- في لسه حد ما طلعش؟ راجل ضخم كده علي دراعه تاتو؟؟
- آه.. دول مش حاجزين مع شركة ومتعطلين عشان بيفرجوا عن الموتسيكلات!!
- ايه؟؟ هما معاهم موتسيكلات ؟؟
- طب و النبي الناس دي تهمني .. خدمة بس لاخوك, ( فيزهوم) قولهم انك من طرفي وساعدهم في الإفراج عن (المكن) ده و قولهم إني مستنيهم بره.
- ياعم (المكن).. الموتسيكلات .. مش الحريم اللي معاهم!!.
بعد حوالي ساعة خرج السيد "يواخيم" و معه 5 رجال و فتاتين شاهدني فتقدم نحوي ببطء وهو يتفحص بنيتي صغيره الحجم و الوزن تقدمت نحوه مصافحا مد يده وعرفني علي المجموعة .. انهارت قواي الداخلية قلت:
- لماذا كل هذا العدد و ماذا ستفعل بالموتسيكلات ؟؟ كان لابد من إطلاعي علي الأمر فأنت لا تعرف القوانين هنا و... قاطعني باشاره من يده,
- اهدأ فالأمر تحت السيطرة و لكل واحد من الفريق دوره.
خرج موظف من المطار تتبعه سيارة تجرما يشبه "الكونتينر" و معهم صديقي , عانقته بشده وودعته مع وعد بالاتصال لاحقا لشرح الأمر لم يكن معهم الا حقائب الظهر"هاند باج "
- سنذهب الآن إلي الفندق و سنتقابل اليوم الساعه 8 مساءا لمناقشه الخطه هل تعرف فندق(....) ؟
- اجبت : نعم اعرفه
- عظيم.
- هل أقلكم الي هناك؟ فمعي السيارة علي الأقل الفتيات و ....
- و كيف تذهب الموتسيكلات إلي الفندق؟ لا تستطيع الذهاب بمفردها و أطلق ضحكه عاليه و ضحكت باقي المجموعة بدورها ...نراك لاحقا.
- هل تعرفون الطريق الي الفندق؟
- انه عصر (الجي بي اس) يا رجل...هاهاهاها
و انطلقت المجموعة بصوت الدراجات البخارية المزعجة: سرحت بتفكيري: صوت الموتسيكلات وحده سيوقظ الأسماك في البحر و ليس فقط الجيران..ربنا يستر
لم استطع صبرا كنت في الفندق من الساعة السابعة والنصف في انتظارهم: ظهرت الفتيات أولا ثم ظهر الفتيان يقودهم "يواخيم" كانوا يصافحون جميع العاملين بود , دعاني للجلوس..
- بيره او اي شئ آخر؟؟
- لا اشكرك.. أنا لا اشرب.. ما هي الخطه غدا؟؟فالقلق يكاد يقتلني هل تعرف أن ايميليا حامل في الشهر السادس الآن؟؟
- اعرف فقط أرنا الطريق إلي المنزل وسنتوقف قبله بمسافه كافيه...
- اهذا فقط؟؟
- نعم يا رجل.. استرخ فلكل حادث حديث.. صاح بالعاملين : الا يوجد رقص شرقي الليلة!!
ضحك الجميع و نظرت إليه احدي الفتيات في عتاب مُصطنع.. استأذنت في الذهاب بعد أن حددنا موعد انطلاقنا علي أن نتقابل غدا أمام بوابه الفندق.
- لم انم تلك الليلة من القلق و مئات الاسئله تتزاحم في رأسي ماذا لو فشلت العملية؟ ماذا لو كان الزوج يحمل سلاحا ما؟؟
صليت لله صلاه قضاء الحاجة و انطلقت بسيارتي في الموعد المحدد و كانت المجموعة بانتظاري.
وكانوا قد اخلوا الغرف تماما و كل يحمل حقيبته الصغيرة علي ظهره و علي كل دراجة بخاريه حقيبة إصلاح صغيره.
وانطلق الموكب في إزعاج واضح انطلقت أنا في المقدمة و من آن لأخر كان احدهم يمازحني و كأنه يهم بالارتطام بسيارتي من الجانب و كأننا في نزهه لم اعرف كيف يحتفظون بهدوئهم إلي هذه الدرجة؟
توقفت قبل المنزل بحوالي خمسين مترا آملاً ألا ينكشف أمرنا.. ترجلت المجموعة بعد أن أشرت إلي المنزل اخرج "يواخيم" الخريطة والصور و بدأ يراجع الخطة للمرة الأخيرة مع المجموعة و كان واضحاً أنهم قد اعدوا الخطة مسبقا و كلُ له دور فيها... تقدم "يواخيم" و الفتاتين ومعه رجلين آخرين بينما بقي باقي الرجال للمراقبة و ان لم يطفئوا محركات الدراجات البخارية... لحظات وانطلقت بدوري وأوقفت سيارتي بشارع جانبي قريب من المنزل حتى لا تظهر صورتها بكاميرات التصوير أو ربما يتم التقاط صور لنا بواسطة محمول احد الجيران و في خفه قفز اثنين من الرجال وسارا بجانب المنزل بجوار الحجر المخلوع و اخرج احدهم من حقيبة الظهر منشارا كهربائيا يعمل بالبطاريات من النوع الذي يستطيع قطع الحديد, كما توقعت لن يتم الاقتحام من جهة البوابة الخارجية المصفحة و لكن من السور الجانبي .. تم عمل فتحه مناسبة قفزت المجموعة في خفه بما فيها الفتاتين داخل المنزل وفي الداخل و بضربات مدروسة علي كالون الباب الخشبي تم كسره واقتحم الرجال أولا المنزل بشكل مدروس...عرفت لاحقا انه لحسن الحظ لم يكن الزوج موجودا.. تم ربط الفتي الصغير في ماسورة الغاز داخل المنزل بعد تكميم فمه ..ساعدت الفتاتين ايميليا في ارتداء ملابسها واحضرن ما تحتاجه فقط للسفر من جواز سفر و حذاء منخفض وما هي إلا لحظات حتى خرجت المجموعة بالكامل من نفس المكان بعد أن ساعدوا ايميليا في عبور فتحه الهروب من السلك كانت ايميلي حامل و حركتها بطيئة نسبيا بسبب ثقل وزنها إلا أنها امتطت الدراجة البخارية خلف احدي الفتيات.. بعد أن ارتدت ستره جلدية شبيهه بما ترتديه المجموعه, ساعدت احدي الفتيات ايميليا علي ارتداء خوذه اضافيه احضروها معهم واخفت نصف وجهها بنظاره شمسية فأصبحت تشبه أفراد المجموعة وحقيقه لم يعد منظر مجموعه سياحية تجوب المحافظة علي دراجات بخاريه يلفت الانتباه بعد انتشار مكاتب تنظيم رحلات ذلك النوع من السياحة و انطلقت المجموعة أمامي في سرعة, أفقت من شرودي وانطلقت خلفهم بسيارتي بشكل لاإرادي في طريقنا إلي المطار كنت ادعوا الله الا يكتشف الزوج الأمر إلا بعد ركوب المجموعة الطائرة .. كيف ذلك و إجراءات الإفراج عن الدراجات البخارية و حدها قد تستغرق ساعة علي الأقل..؟؟
أظهرت المجموعة للضابط جوازات السفر و تذاكر الطيران بالاضافه للتذكرة الاضافيه التي تم حجزها لايميليا نظر لها الضابط في ارتياب فخلعت الخوذة والنظارة ليري وجهها وبالفعل ترجلت المجموعة عن الدراجات البخارية وعاد احدهم من الداخل ومعه موظف لمتابعه عملية شحن الدراجات البخارية التفتت إلي ايميليا و احتضنتني باكيه:
- لم يكن أي شيء لينجح لولاك.. أشكرك بشده, سأكتب لك.. لدي نسخه من المراسلات تحمل عنوان بريدك الاليكتروني.
صافحتني باقي المجموعة انتظرت كثيرا خارج صالة السفر حتى شاهدت الطائرة تقلع فتنفست الصعداء.
راسلتني ايميليا بعد اشهر لتشكرني مره أخري.. روت لي أن زوجها حاول السفر لألمانيا أكثر من مره إلا أنها قد أبلغت عنه و تم وضع اسمه علي لائحة الممنوعين من الحصول علي تأشيرات دخول ألمانيا.. وإنها قد أخبرته عبر الهاتف بعد أن اتصل بوالديها : أنها قد فقدت جنينها أثناء رحله الهروب و لكن الحقيقة أنها قد رزقت بفتاه جميله أرسلت لي صور لها أسمتها "روزا" كما أخبرتني أنها قد سافرت في رحله علاجيه حيث عالجها طبيب إيراني شهير متخصص في علم السموم و السموم ببلاد الشرق تحديدا كما خلصها من اثر السحر والأعمال السفلية التي كان يرغمها زوجها علي تناولها لتحقيق رغباته وأخيرا فقد حصلت علي حكم تطليق من المحكمة بألمانيا وتم فسخ عقد الزواج و أنها تعيش سعيدة مع ابنتها في منزل عائلتها.
حمدت الله أن يسر لي المساعدة ولو بشكل بسيط في تحرير تلك الفتاه من مصيرها المؤلم .. احتفظت بالخوذة التي كانت ايميليا ترتديها أثناء رحله الهروب فقد أعطتها لي قائله : لا احتاجها بعد الان ..تذكار مني لك ..شكرا لك..
وما ذلت احتفظ بالخوذة بسيارتي بجوار الزجاج الخلفي كتذكار لذلك اليوم.
-تمت-
تعليقات