خواطر مُغترب... تجربتي في زمن حُمى البحث عن الهجرات



ربما يكون هذا أول مقال اكتبه في حياتي بخلاف مواضيع التعبير والمقلات التي كنا نجبر على كتابتها بحكم الدراسة في المدرسة فأنا لست بضليع في اللغة العربية أو علوم الصرف و النحو وليس لدي خبرة في طريقة سرد الكلمات بطريقه منمقه مثل الآخرين وكل ما سوف أقوم بسرده عليكم هو نتيجة تجربه عشتها بنفسي وعن طريق احتكاكي بجنسيات وثقافات مختلفة لعله يعود بالنفع على من يرغب في السفر والهجرة خارج البلاد .

لاحظت في الآونة الأخيرة أن الكثير من الأصدقاء و المعارف لديهم الرغبة في السفر أو الهجرة بعيداً عن الوطن فمنهم من يبحث عن رزقه و يحاول تحسين مستوى معيشته ومنهم من ليس لديه أي مشاكل ماديه ولكن يبحثون عن جودة حياة ومستقبل أفضل لهم ولعائلتهم ومنهم من يريد أن يخوض تجربه جديدة و ليس هناك من العيب أن تكون هذه الأسباب التي قد تدفع الشخص للسفر و الترحال عن تراب الوطن ففي السفر فوائد عدة الكل يعلمها وسوف اذكرها في مقال لاحق. الهدف من هذا المقال هو ليس التأثير على قراراك سواء البقاء أو السفر ولكن الهدف منه هو تنوير بصيرتك و إطلاعك على بعض الحقائق التي قد تكون غائبة عنك والتي قد تساعدك في اتخاذ قرارك. 

التوقيت: ديسمبر 2011 المكان القاهرة ، خلال هذا الشهر كنت برتب أوراقي وبحضر المستلزمات الخاصة بالسفر فقد عقدت النية على السفر و الترحال واتخذت هذا القرار للذهاب إلى إحدى الدول الأوربية ومع العلم لم يكن لدي أسباب ماديه تدفعني إلى السفر والترحال فكنت اعمل بشركه مرموقة ولدي دخل جيد والأمور ميسره و الحمد لله ولكن السبب كان شخصي في المقام الأول و البحث عن جودة حياة مختلفة بالإضافة إلى خوض تجربه جديدة وأنا في سن مبكر وبالفعل كل شيء تم تجهيزه وحانت اللحظة الصعبة التي لم أكن أتصور أنها سوف تكون من أصعب اللحظات في حياتي وهي مفارقة الأهل والوطن فهناك موعد و تاريخ محدد للسفر ولكن مع كل الأسف ليس هناك تاريخ محدد للعودة فهذه المرة تختلف عن كل المرات التي سافرت فيها إلي الخارج من قبل فكنت في بعض الأحيان أقوم برحلات عمل خارج البلاد و أعود بعد فترة محددة . 



ذهبت إلى الطائرة وقدماي ترتجفان قبل الصعود إليها ولكن مع الأسف لا مجال للعودة ولأول مرة في حياتي لا أستطيع أن امنع نفسي من البكاء أمام العامة من الناس وشعرت في هذه اللحظة أنني كمسجون نزل عليه العقاب بالسجن مدي الحياة والشعور أيضا بالندم على اتخاذ هذا القرار الصعب وشعرت فى هذه اللحظة أن اقرب شخص لدي هو فقط الشخص الذي بجانبي داخل الطائرة وان حدود تفكيري أقصاه هو محيط كابينة الطائرة وفجأة نظر لي الشخص الذي كان يجلس بجانبي وقال لي استهدي بالله أنت شكلك مغترب جديد فقلت له عرفت منين ؟؟ قال لي لاني كنت في نفس مكانك منذ ثمان سنوات وشعرت حينها أن دموع وأحاسيس المغتربين قد تكون متشابه مع بعضها البعض.

 وخلال الرحلة استرجعت كلام احد أقاربي المقربين الذي كان مغترب لسنوات طويلة خارج البلاد وكنا نسعد بملاقاته كل عام في الإجازات ودائما كان يقول لي الغربة صعبه وكان هناك تغير واضح علي طباعه وشخصيته ولم اهتم كثيرا في ذلك الوقت بالمعني الحقيقي لهذه الكلمة أو ربما لما افهمها فى ذلك الوقت لاني لم اشعر بها ولم أتوقع أن أكون في مكانه في يوم من الأيام و استغرقت الرحلة بعض الساعات ومرت عليها كأنها أيام. وصلت إلى وجهتي المقررة بسلام .

خمس أعوام مضت حتى تاريخ كتابة هذه السطور وسوف أقوم حاليا بتلخيص أهم الآثار السلبية التي قد تتعرض لها خلال فترة الغربة وأتمنى أن تساعدك على اتخاذ قرارك قبل السفر و بالطبع قد تختلف وجهات النظر و الظروف من شخص لآخر وتلعب الجهة المسافر إليها دورا كبيرا فالدول الأوربية والأسيوية غير الدول الإسلامية و العربية .... الخ .

أولا: الصدمة الحضارية:
سوف تشعر بنوع من الصدمة الحضارية في المحيط الجديد الذي تعيش فيه وقد تتبدل لديك بعض المعتقدات والأفكار في الفترة الأولى وسوف تحتاج بعض الوقت لكي تتأقلم على ظروف الحياة الجديدة و ثقافة و عادات المجتمع فمهما كنت اجتماعياً أو مرن الطباع فسوف تحتاج الى وقت للتعود على الأشخاص ، نمط ،نظام الحياة ، طباع المجتمع واللغة الجديدة في حال دوله غير عربيه و حتى مهما كانت مهارتك في اللغة الجديدة فهي ليست كلغتك الأم و بالتالي صعوبة التواصل مع الآخرين بشكل فعال كما في بلدك و بالتالي قد تمر بفترات اكتئاب و عزله خاصة في السنة الأولى .


ثانيا: الوحدة و الضغط:
شعورك بأنك وحيد و انك مسئول عن كل كبيره و صغيرة في أمور حياتك شعور صعب و قد يصعب على البعض تحمله وبالتالي سوف تشعر في بعض الأحيان بنوع من الضغط ولا تستغرب من حالك عندما تذهب إجازات إلى وطنك الأم فسوف يشعر الآخرين بأنك أصبحت قليل الكلام و هادئ الطباع وذلك نظرا للوحدة التي تعيش بداخلها لفترات طويلة و ليس المقصود هنا بالوحدة بأنك معزول عن البشر ولكن أنت تعيش وسط مجتمع أو مجموعه من الأفراد لا تشعر بانتمائكم لهم وذلك لاختلاف العادات و التقاليد ، اللغة و الدين أو لأنك تشعر بأنك لست منتسب إلى هذا المجتمع الجديد فتاريخك، نشأتك، تعليمك ، أصدقاء الطفولة في وطنك الأم ولقد شاهدت الكثير من الأصدقاء قد أصابهم مرض الاكتئاب في الفترات الأولي من سفرهم ولكن في اغلب الأحيان يكون وقتي ويعالج مع الوقت .

ثالثا: موت الإحساس بالزمان والوقت:
بعد أن تستقر في الغربة لفترة طويلة سوف تشعر انه فاتك الكثير في وطنك الأم من أحداث، لقد فقدت الكثير من أعياد الميلاد و التجمعات العائلية ، حالات الوفاة و الأفراح وحتى المواليد الجدد داخل العائلة يصعب عليك حفظ أسماءهم ومن تركته صغيرا أصبح كبيرا . فالمغترب دائما لا يهتم كثيرا بالنظر إلى التواريخ لأنها بعد فترة تصبح ليس لها معني لديه فلأيام و الشهور جميعها متشابهه والتاريخ الوحيد المهم له هو تاريخ الإجازات السنوية والعودة للوطن ورؤية الأهل والأصدقاء .

رابعاً: التغير الفكري والاجتماعي:
من الطبيعي انه قد يحدث لديك بعض التغيرات فى شخصيتك و طريقة تفكيرك و نظرتك للأمور وذلك نتيجة احتكاكك بمجتمع وثقافات مختلفة فلا تتعجب من حالك إذا وجدت بعض الصعوبة في التعامل مع أصدقائك و معارفك عند العودة للوطن فطريقة نظرتك للعالم قد اختلفت كثيراً عما سبق وسوف تشعر أيضا بصعوبة في تكوين صدقات حقيقية خلال الغربة فعقلك الباطن رافض دخول أشخاص جدد من خارج حدود الوطن واقرب شخص لديك في الغربة هو هاتفك الشخصي فهذا هو عالمك الجديد الذي تعيش بداخله.


خامساً: ازمة الهوية :
يمكنك العودة إلى حياتك القديمة لبعض الأسابيع فقط في السنة ولا تندهش إذا شعرت بأنك مثل الأجنبي في وطنك الأم الذي ترعرعت فيه ومع الأسف نفس الشعور سوف يصيبك فى موطن الغربة فأنت الآن لا تنتمي إلى هذا ولا ذاك ويصبح لديك دائماً أزمة في الهوية .

سادساَ: العنصرية:
قد تواجه شكلا من أشكال العنصرية أو غيرها في بعض البلدان، . فقد تواجه سائق سيارة أجرة يخبرك بمغادرة البلد لأنك أخذت مكان أولاده في الجامعة أو زاحمتهم في العمل أو لاختلاف فكرك ومعتقداتك عنهم .

سابعاً: الخوف الغير معلن:
دائماً ما ينتاب المغترب الشعور بعدم الأمان والاستقرار الذاتي وذلك لبعده عن وطنه أهله والأصدقاء ، الخوف و القلق على الأهل ، الخوف من المستقبل ، الخوف من الموت وحيداً بعيدا عن الأهل، الخوف من التأقلم مع المجتمع الجديد ..... الخ 

ثامناً : تبلد المشاعر:
نعم سوف تصبح متبلد المشاعر إلى حد ما وذلك نظراً لبعدك عن التفاعل المباشر مع اهلك وأصدقائك بشكل مباشر ومهما تقدمت تكنولوجيا التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال فلا تغني عن التفاعل المباشر مع من حولك .

الخلاصة والحقائق:
"الغربة كُربه مزينة بورود"، دائما سوف تشعر بأنه ينقصك شيء مهما كان كل شيء ميسر من حولك ،لا تسافر إذا ... لا تسطيع البعد عن اهلك ، شوارع بلدك التي تحفظها ومحفوره على طرقاتها ذكرياتك ، لغتك ، أكلك ، "كباية الشاي مع أصحابك على القهوة" ، "طبق الفول والطعمية بتاع يوم الجمعة"، "البواب اللي بينظفلك عربيتك" ... هناك حقيقة لا مفر منها لا يمكنك التواجد في مكانين فى نفس الوقت فجسدك وعقلك معك في الغربة و قلبك ومشاعرك في وطنك. الغربه سوف تعلمك انك كنت تملك اشياء كثيرة فى وطنك الام ولكن مع الاسف لاتدرك قيمتها.


من الطبيعي انك قد أصبت بحالة من الاكتئاب بعد قراءة كلماتي السابقة ولكي لا تحزن يا سيدي فأليك الكبسولة التي قد تساعدك على التعايش مع مرض الغربة:
  • - تأقلم وانخرط مع المجتمع الجديد بشكل سريع.
  • - تعلم لغة البلد .
  • - حافظ على عادتك و تقاليدك وخليك دائما قريب من الله .
  • - أنت لست في سجن أو تقضي فترة عقوبة فأنت حر طليق يمكنك الرجوع إلى وطنك في أي وقت.
  • - حاول أن ترجع إلى وطنك أكثر من مرة خلال العام إذا كان دخلك يسمح ولا تحصر إجازتك في شهر واحد في السنة فقط.
  • - التواصل مع اهلك باستمرار .
  • - حاول أن تنظر إلى الجانب المملوء من الكوب و المميزات التي حصلت عليها بسبب الغربة .
  • - لا تبخل على نفسك في شيء فأنت لا تعاقب نفسك والحياة قصيرة .
  • - لا تؤجلوا سعادة الغربة إلى الوطن.
  • - المشاركة في الأنشطة الاجتماعية داخل المجتمع الجديد.
  • - تنمية هوايتك الشخصية والانشغال بها .
  • - -الاهتمام بالحاضر والواقع الذي تعيش فيه والمستقبل بيد الله.
  • - و أخيرا لا تقوم بتأجيل الحياة في بلاد الاغتراب من اجل الاستمتاع بمستقبل مُبهم في وطنك الأم . 

أحمد السيد
مصري مغترب
وصاحب تجربة طويلة في السفر والإغتراب

علق وشارك بالرأي 

تعليقات

‏قال The Author
موضوع اكثر من رائع...ما ينبع من القلب يصل إلى القلب وأفضل الكلمات هي التي تأتي بعد سنوات من الخبرة... واعان الله الكاتب علي غربته وزوده الله التقوي
‏قال Unknown
مشكور يا ماجد على التعليق وربنا يرجع كل مغترب الي وطنه سالما.
‏قال Karim abdelfattah…
موضوع أكثر من رائع و هادف ولكن بالفعل الغربه ليست بالشئ السهل فهناك من الناس من يذهبون اليها بشغف وهم لم يعلموا انهم سيصبحون ماضى فى بلادهم او بمعنى ادق احياء لكن اموات و لكن ظروف الحياه القاسية هىً تجير الجميع على هذا
حتى لا اطيل عليكم سوف تجدون من الإحباطات و التحديات ما يكفى لكىً يهزمكم فى وحدتكم ولكن على الجميع ان يحارب من اجل أهدافه و لا ييأس
أسف على الاطالة و شكرًا على مجهودكم الوفير و اعاننا و اعانكم الله على الغربه
‏قال Unknown
متشكر علي التعليق يا انور وانا اسعد بمعرفتك
‏قال Unknown
متشكر يا أخ كريم علي التعليق واتفق معك في الرأي.

إقرأ أيضا الموضوعات الشهيرة الأخرى

نجمات "بورنو" شهيرات يكشفن حقيقة الأفلام الإباحية –(الحلقة الأولى)

​الدب والأرنب: عبثٌ في مراحيض الغابة

رحلة إلى مدينة هامبورج ألمانيا

قصة الراهبة المصرية التي أسلمت على يد النبي محمد عام 1970

ماذا يحدث حين تقول " لا يمكن أن تسوء الأمور أكثر من ذلك"؟

معنى الصديق اللدود: كاريكاتير الذئب الحكيم والخروف الحزين

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الثالثة)

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الأولى)

ما هي الجمارك المستحقة على شيفروليه كروز موديل 2012 سعة 1600 سي سي؟

مخرج "بورنو" شهير يكشف حقيقة الأفلام الإباحية – (الحلقة الرابعة)