قصة خمارة مولانا العارف بالله الشيخ ضرغام
ما أن مالت شمس ذلك اليوم الحار نحو المغيب، حتى تنفس سكان تلك المحافظة الصغيرة الصعداء، كان يوماً خانقاً، لم ترد الشمس أن تغرب إلا بعد أن أصابت عددا لا باس به من سكان المحافظة بضربات شمس موجعه وبعد أن لوحت وجوه البشر بسمرة مؤلمة ، بالطبع لم يسلم حامد من تلك الشمس فلقد استلم موقعه منذ الخامسة صباحا و حتى مغيب الشمس، كان ينتظر بفارغ الصبر انقضاء ساعات خدمته كعسكري مرور عند ذلك التقاطع، ليس فقط ليرتاح من تلك الشمس المحرقة في هذه المحافظة النائية بل لأن انتهاء تلك الوردية يعني انتهاء مده تجنيده التي استغرقت سنتين كاملتين .لم تكن تلك المحافظة هي محافظته الأصلية و لكنها كانت محل تجنيده فقط ما أن يُصرح له بأجازة ، فلا يشعر بنفسه إلا و هو "مُسطح" فوق احد القطارات متجها نحو بلدته في أقاصي الصعيد، لم يكن ينتظر حتى يذهب لبيته ليطمئن علي والدته و أخواته البنات بل كان ينطلق مباشرة نحو منزل عمه ليطمئن علي ابنه عمه و حُب عمره منذ الصغر وكأنه يستوثق من ذلك الوعد القديم الذي وعدته إياه بأنها لن تكون لأحد إلا له . كانت فتاه عادية اقل جمالا من أي فتاه أخري في القرية ولكنها كانت تحبه وتعشقه بجنون فهو رجلها و فارس أحلامها ... لم يكن ذلك اليوم كأي يوم أخر فمنذ ما يقرب من أربعه اشهر تحققت جميع أحلامه و تم كتب كتابه علي ابنه عمه، حبه الوحيد واشترط الأهل في تعسف شديد ألا تتم "الدخلة" إلا بعد تنتهي مدة خدمته العسكرية .. لا يدري ما الذي حدث بعد كتب الكتاب و ما الذي دفعه إلى اتخاذ ذلك القرار المجنون ربما شدة الشوق و العشق الذي اختمر داخله لسنوات و ربما روح التمرد علي التقاليد الباليه، ربما رغبته أن يثبت لنفسه أن ابنه عمه أصبحت زوجته بالفعل و حدث ما حدث: فلقد عاشرها معاشرة الأزواج وهي بالفعل زوجته أمام الله و رسوله و بأوراق رسميه ولكن تحكم الأهل هو الذي أثار داخله روح التمرد تلك،،،، لم يعرف أن المشكلة ستتفاقم و تتعقد بهذا الشكل إلا عندما ودعته زوجته في آخر إجازة له بعد أن أخبرته دامعة أنها قد حملت داخلها جنينا منه. في ظروف أخري كان ليطير فرحا لكن الآن كل ما سيطر عليه هو ماذا سيحدث لو تأخرت "الدخلة" لأي سبب؟ من سيصدق أن زوجته شريفه؟ أو من سيثق بها بعد ذلك من أهلها أو أهله؟ ربما تعقدت الأمور أكثر وربما شكوا إنها قد تكون قد حملت من غيره... كل ما تذكره هو وجهها و عينيها المملوءتين بالدموع و هي تتشبث بذراعه في محطة القطار قائله في ضراعه:
- سايقه عليك النبي لتسترني و لا تفضحنيش .
أفاق من شجونه ومخاوفه علي صوت سيارة الشرطة "البوكس" التي تحمل اثني عشر فرد شرطه هم قوه التأمين الاساسيه للمحافظة حيث أقبلت في رتابة لكي يتسلم زميله الخدمة منه ، و لابد من الذهاب لمبني المديرية لتسليم عهدته وأوراقه و إنهاء خدمته حتى يستطيع العودة لزوجته المحبوبة لإتمام "الدخلة" أمام أهل القرية و ليحدث بعد ذلك أي شئ ،لا يهم المهم هو إنقاذ سمعتها كزوجه شريفه..
ما ن رأي السيارة حتي اعتدل و ارتدي "البيريه الميري" وأدى التحية للضابط داخل السيارة، لم يرفع ذلك الضابط يده بالتحية و لم يكترث،،، فبحسب وصف جميع العساكر و أفراد الحراسة بالمديرية : فهو أكثر الضباط بطشا و سُخفًا و قدرة علي الإيذاء، مر علي تاريخ المحافظة وهو منقول من محافظه بعيده نظرا لتعسفه مع زملائه ومع المواطنين أيضاً .حرص حامد منذ أن تم نقل ذلك الضابط إلي المحافظة ألا يثير حفيظته أو غضبه بأي وسيله ،كان يتحمل ألفاظه النابية وشتائمه بكل صبر رغم ما يسبب له ذلك من الم نفسي فقط لأنه يريد أن تنقضي الأيام المتبقية بسلام حتى يستطيع إتمام "الدخلة" و إنقاذ ما يمكن إنقاذه .. اعتقد حامد إنهم في طريقهم إلي المديرية إلا أن الأقدار كانت تخبئ له مفاجأة أخري: فلقد قرر الضابط أن يصب جام غضبه وحنقه علي المواطنين في "حملة أمنيه" و علي الرغم من أن حامد عسكري مرور إلا انه لسد العجز في عدد أفراد الخدمة جري العرف ألا يتخصص أي عسكري في وظيفة معينه وكان يتم اختياره أحيانا لمأموريات بسيطة لم يمانع حامد في أدائها لأنه كان محبوبا من الجميع و لرغبته في إنهاء مده خدمته "بشهادة قدوة حسنه" وليس شيئا آخر..
ذهب السائق بالسيارة " البوكس" بُناء علي تعليمات الضابط إلي شارع خمارة الشيخ ضرغام ..
لم يمتلك ذلك الولي الخمارة بالطبع ولكنها كانت سخريه القدر مرة أخري، فبجوار ضريح الشيخ ضرغام كانت هناك خمارة صغيرة لا يعرف احد علي وجه الدقة و خصوصاً من الأجيال الجديدة من هو مالكها الأصلي و لكن يقال انه كان رجلا يهودي،، هاجر من مصر عقب قيام دوله بني صهيون ولا يُعرف إن كان قد باعها أو تركها بدون مقابل وتعاقب عليها الملاك جيلا بعد جيل. توجه الضابط لتلك البقعة خصيصا لمعرفته انه سيجد حتما سكارى ومخالفين للقانون يستطيع التنفيس عن غضبه فيهم من خلال الركل و الصفع و السباب...رغم أن حامد مُغترب عن بلدته إلا انه قد تعلق كثيرا بضريح الشيخ ضرغام الذي نسيته الأجيال الجديدة و لم يعد احد يعرف قصته علي وجه الدقة،، فقد تعددت الأساطير المنسوجة عنه و عن كراماته فبعضهم يقول انه كان قاطع طريق في العصور السحيقة هداه الله إلي التوبة حتى توفي ودفن بتلك البقعة، بينما يردد الآخرون انه قد جاء إلي تلك البلدة ماشيا علي صفحه نهر النيل من بلده أخري بعيده و حفر قبره بنفسه و دفن في تلك البقعة. ولكن الجميع قد اجمع علي كراماته "فالِورد" الخاص به مطبوع علي كُتيب رخيص يحلو لخادم الضريح توزيعه علي المارة بدون مقابل و كأنه لا يريد لسيرة ذلك الولي الطيب أن تندثر تعلق قلب حامد بالضريح الطاهر.. حفظ الوِرد عن ظهر قلب و لمَ لا؟ وهو الِورد الذي يستخدمه الأشرار و الأبرار علي حد السواء لشهرته في تحقيق المستحيلات، فمن تريد الإنجاب تقرأه ومن تريد التخلص من ضُرتها تقرأه بل إن لصوص المواشي يقرأونه قبل السرقة فتنقاد لهم المواشي بدون إحداث أي صوت كأنها مسحورة،، بل لا تراهم أعين الخفراء أيضاً ...
ما أن ترجل الضابط عن السيارة حتى أشار إلي العساكر أن تنشر وصرخ في حامد أن يحضر له ذلك السكير الذي يترنح خارجاً من الخمارة و بالفعل جري حامد وامسكه بدون مقاومه تذكر تهاوت يد وقدم الضابط علي السكير صفعاً و ركلا و سُبابا وأمر حامد أن يضعه في "البوكس" نفذ حامد الأمر و بعد أن هدأت ثورة الضابط و لم يجد أحدا آخر في ذلك اليوم شديد الحرارة أشار بيده للجميع و بالفعل ،قفز جميع عساكر الخدمة داخل السيارة وقبل الوصول للمديرية بعدة أمتار في احد التقاطعات، فاجأ السكير جميع أفراد الخدمة بالقفز من السيارة وأطلق ساقيه للريح وقبل أن يفيق الجميع من صدمتهم ، كانت السيارة قد انطلقت و لم يشعر بهم الضابط ولا السائق.
لم يدري حامد ماذا يفعل وكيف سينتهي به المطاف و لكن اقل إجراء سيكون محاكمه عسكريه و ربما حُكم علية بالحبس لهروب "المتهم" لم يشعر بنفسه إلا وهو يتمتم "مدد يا شيخ ضرغام مدد" و اخذ يردد ِورد الشيخ بشكل لا ارادي، لم يعرف ما الذي حدث كل ما تذكره بعد ذلك انه قبل دخول السيارة لمبني المديرية بأمتار قليله، لم يشعر بنفسه إلا و هو يقفز من السيارة مهرولاً لا يعرف كيف، فقد توقف الزمن و ُطويت له الأرض و اصطدم و هو يجري بسكير آخر تفوح منه رائحة الخمر بل و يحمل زجاجه نصف فارغة في يده و بدون أي مقاومه تُذكر من جانبه، شعر وكأن يداً خفيه تدفع بيده لتطبق علي زراع السكير و هو يقتاده إلي داخل مبني المديرية كانت السيارة قد توقفت و ترجل الضابط و هو يتحدث في هاتفه المحمول في مكالمة طويلة مولياً ظهره للسيارة و لصف عساكر الخدمة الذين ترجلوا عنها في اصطفاف كامل، في انتظار انتهاء طابور التمام... استدار الضابط صارخا:
- حااامد ...هاتلي الكلب ده.
رد حامد وهو ممسكا بزراع السكير: تمام يا فندم، مؤدياً التحية العسكرية باليد الاخري و السكير ينظر للمشهد مُنخرطا في نوبة ضحك هستيري..
في اليوم التالي لم يدري حامد كيف انتهت إجراءات تسليم العهدة و باقي الإجراءات، كل ما يعرفه الآن انه مُستلقي علي سطح القطار ،متجها إلي بلدته ليرتمي في أحضان زوجته المحبوبة منتظرا تحديا جديداً مُردداً: مدد يا شيخ ضرغام مدد.
-// تمت//-
مُهداه إلي روح الشيخ ضرغام
شارك الموضوع وتابعنا على الفيسبوك (عوالم منسية) أو تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك |للتعليق: اضغط على "إضافة/إرسال تعليق" أسفل المقالة |
إعداد: المنسي
للمراسلة: enbee.info@gmail.com
People also ask
من قصص العارفين بالله؟
من أجمل ما قال العارفون بالله؟
من هو مولانا العارف بالله؟
ما هي علامات العارفين بالله؟
People also search for
قصص العارفين الشيعة
قصص العارفين بالله PDF
People also ask
من أجمل القصص التي قرأتها؟
من أشهر القصص؟
ما هي أقصر قصة؟
كيف تبحث عن قصص؟
People also search for
قصص قصيرة جدا عالمية
قصص حقيقية قصيرة
قصص قصيرة للأطفال
قصص مكتوبة قصيرة للكبار
قصص قصيرة فيها حكمة كبيرة
تلخيص قصة خيالية قصيرة
قصص واقعية
قصة قصيرة خيالية
People also ask
ما معنى اسم ضرغام؟
من لقب بالضرغام؟
هل ضرغام اسم أسد؟
من هو أسد ضرغام؟
People also search for
ضرغام معنى
ما معنى اسم ضرغام في القرآن
ضرغام حيوان
درغام ام ضرغام
من هو ضرغام
ضرغام بالانجليزي
عيوب اسم ضرغام
معنى اسم ضرغام وشخصيته
تعليقات