يا ما في الحبس مظاليم
يا ما في الحبس مظاليم.
قبل سنوات.
كنت اسرع الخطى واهرول في سباق مع الزمن ، فقد كان علي دخول المطار خلال 20 دقيقه , ستهبط الطائره و كان علي استقبال الافواج القادمه علي متنها, عدد كبير و المخاطره كبيره ، راهنت علي خبرتي وعلي عدد الدقائق الاضافيه التي يحتاجها الطيار للهبوط و توقف المحرك تماما قبل ان تتوجه الحافلات لنقل الركاب الي صاله الوصول.
اشرت الي اقرب تاكسي و بالمصادفه كان السائق الذي اعرفه, عملت معه كثيرا حيث كان لدي عائلته سياره كبيره كنا نستخدمها لنقل السائحين من و الي الفنادق المختلفه و في وقت راحته كان يعمل علي تاكسي كان دؤوب و دمث الخلق لم يمنعني التأخير من ممازحته بالمزحه المكرره كلما نظرت الي شعره المجعد:
=مين اللي عمل فيك كده.
=الزمن.
=ماتحلقش عنده تاني.
انطلقت السياره في سرعه كبيره و لكن علي بعد امطار جذب مكابح السياره بكل قوه, فهناك حادثه كبيره علي الطريق سياره شرطه مسرعه صدمت شابا و هربت شاهدنا السياره و ان لم نستطع ان نلحق بها,حيث صعدت علي الرصيف و هربت من الاتجاه المعاكس, توقف سائقي بشهامه لنقل المصاب المدرج في دمائه الي اقرب مستشفي ترجلت من السياره سريعا لاستقل تاكسي اخر الي المطار فلم يكن هناك مجال للتأخير.
=عايز فلوس.
=لا مستوره .
=وانطلق لنقل المصاب.
بعد سنوات .
تغير ت حالتي الاجتماعيه كما تغيرت مهنتي و محل سكني و ان بقيت ذكريات لايام الشقاء و التعب و السهر كنت متوجها الي مشوار بعيد نسبيا اشرت الي اقرب تاكسي وعلي طريقه الفنان عادل امام فبعد سنوات من ابتلاع السمكه لخاتم الصياد وهروب السمكه في المياه اصطاد الصياد السمكه وياللعجب عند فتح بطن السمكه لم يعثر علي الخاتم
ولكني لحسن حظي و ياللمصادفه كان نفس السائق الدؤوب الذي عرفته منذ سنوات مازحته بنفس الدعابه وكان لي كل الحق فقد تحول معظم شعره المجعد الي اللون الابيض واكتست ملامحه بمسحه من الحزن بدات بحديث الذكريات:
=فاكر الواد محمود خروفه؟
=اتجوز ام احلام الكوافيره.
=ياراجل مش كان ماشي مع احلام؟
=لأ. حاطط عينه علي الكوافير يا معلم.
=طب فاكر البت شيماء الرقاصه اللي كانت ساكنه تحتينا.
=دي كان عليها صينيه بطاطس تخلي الكافر يسلم .
=فاكر الغيار لما وقع في بلكونتها******
قطعت كلامي بعد ان لاحظ شرود ذهنه و كأنه غير متقبل الحوار سالته عن احواله و كانت المفاجاة :
فلاش باك الي الماضي.
بعد ان توجه السائق الي اقرب مستشفي لنقل المصاب كان هناك صول بالمستشفي من نفس بلده السائق( ضميره تقفيل صيني) استغل جهل السائق بحقوقه وقال له بالحرف:
انا هخلصلك الموضوع ده امضي علي المحضر ده
و كان في الحقيقه محضر اثبات حاله ان الذي صدم الشاب هو السائق نفسه فلا يمكن ان يثبت الصول ان سياره شرطه هاربه هي التي صدمت الشاب والا فقد وظيفته, عندما رفض الشاب قال له:
=هاتلنا اللي ضربه بالعربيه هتمضي و لا اكلبشك.
و سرعان ما تطور الموقف و في حاله الغيبوبه و الهذيان للشاب الذي فقد اكثر من نصف دمائه اكد ان الذي احضره اللي المستشفي هو نفس السائق الذي صدمه.
خدع الصول السائق الشهم بانه محضر صوري واخذ منه عشرون جنيها رشوه لعمل ورقه تصالح عرفيه ما بينه و بين الشاب الجريح الذي دخل في غيبوبه مابين الحياه و الموت بعد ان يفيق من غيبوبته. اعتقد السائق ان الموضوع قد ينتهي بورقه التصالح المزعومه و بعد دفع رشاوي لجميع الممرضات في المستشفي الحكومي و عامل البوفيه و امين مخزن الادويه و الامن علي المستشفي و عامل القهوه البلدي امام المستشفي و شراء طعام للمريض علي امل ان يهتموا به و يعطوه الرعايه الصحيه الكافيه حتي يفيق و يوقع علي ورقه التصالح و ينتهي الموضوع.
لم ينم ليلته تلك و توجه في الصباح الي المستشفي و حدثت المعجزة افاق الجريح و تحدث معه السائق:
=بقي انا اللي خبطك.
=ايوه .
=اذاي اللي صدمتك عربيه الشرطه و انا سواء تاكسي جبتك لهنا .
=لازم تنجيني من الموقف ده و تمضي علي التصالح مع الصول.
وافق الشاب علي ان يتكفل السائق بعلاجه في المستشفي العام و بالفعل ساعده السائق.
انتهت المشكله بخروج الشاب معافا من المستشفي و مرت شهورطوال تزوج خلالها السائق وانجب و استقرت حياته الي ان فوجئ ذات يوم بمحضر علي باب شقته بحكم نهائي بالحبس مع الغرامه و جنحه مسجله . بعد استشاره محامي كان هناك مخرج واحد فقط لا بديل عنه: لابد ان ياتي نفس الشاب المصدوم و يقوم بتوثيق ورقه التصالح في الشهر العقاري التابع له مستشفي الحادث و اثبات ذلك في السجلات الرسميه و كانت الغلطه ان الصول عديم الضمير:
اعتقد انه الي ان تدور الايام دورتها و ياخد محضر اثبات الحاله دورته سيكون كل قد افترق الي حال سيله و سيكون العثور علي السائق و الشاب من الصعوبه بحيث تغلق القضيه علي ذلك او ان يصدر حكم غيابي لن يتم تنفيذه و لو بعد سنوات فهناك اطنان من القضايا مكدسه في مخازن المحاكم من الذي سيبحث عنه في تلك البلده النائيه و لكن البلده الساحليه صغيره الحجم و معظم سكانها يعرفون بعضهم البعض و كان اسهل شيئ العثور علي السائق وتبعا لنصيحه المحامي بدات رحله البحث عن الشاب المصاب , كان الصول قد انتقل الي اداره اخري اكثر فسادا حتي تم العثور عليه وهو الوحيد الذي تحدث مع المصاب قبل الغيبوبه, وبالبحث عن اسم الشاب المصاب و اسم عائلته انتقل السائق مع اهله الي القريه الصغيره التي تقطن بها تلك العائله و لكن لم يتم العثور له علي اثر وهو لا ينتمي الي تلك العائله, البحث بالاوصاف لا يجدي, تبين بعد ذلك انه يعمل كهربائي ولكن باسم حركي وهو المشهور به اما اسمه الحقيقي فلا يعرفه احد بدأت رحله البحث من جديد بالاسم الحركي و كانت المفاجاه, وفقه الله الي عقد عمل بالخليج عقبال اولادك هكذا قالتها السيده المسنه بفرح عجيب و هنا اغشي علي السائق لم تشفع توسلاته او سرده للحكايه للقاضي تم حبسه مع دفع الغرامه.
خرج بعدها من الحبس مشوه النفس كسير الروح وهو عازم عزما اكيدا الا يساعد اي احد حتي لو كان مشقوقا الي نصفين علي الطريق علي حد اقواله.
اذا بدت لك عزيزي القارئ تلك القصه بسيطه ام مكرره او ان هناك ما هو اهم و اولي بالكتابه عنه, فعفوا قد جانبك الصواب في ذلك.
فقد يضيع مستقبل انسان فقط بسبب الغفله و الجهل بالقانون في ظل دوله مازال القانون و النظام فيها غائبا كما غاب استخدام الحاسب الالي في معظم اداراتها و مصالحها الحكوميه فلو كان السائق يعرف ضروره تسجيل ورقه التصالح في الشهر العقاري و ضروره احتفاظه بنسخه مختومه منها ولو كان هناك تسجيل حقيقي للبيانات علي الحاسب الالي لمحاضر الحوادث و المصابين في المستشفيات لكان من السهل العثور علي الشاب المصاب باسرع وقت ممكن ليقر ببراءه السائق.
و لو كانت الدوله تقوم بتوظيف حقيقي و استغلال فعلي لخريجين الجامعات و معاهد الحاسب الالي لربما امكن الحاق شاب للعمل كمدخل بيانات للمحاضر في كل مستشفي حكومي بدلا من ترك الامر للصولات او عسكري النقطه المجاوره للمستشفي لتسجيل البيانات يدويا في دفتر محاضر من ايام الوالي العثماني و ترك الامر للضمير الغائب كما يمكن الاستعانه بهم كشهود بعد ذلك في حاله تلاعب فرد الشرطه المكلف بتحرير المحاضر.
نسال الله ان ينجينا جميعا من كل شر و ان تتطور مصر بشكل جذري في كافه القطاعات واهمها قطاع الانقاذ و الاسعاف فبدلا من انتظارسياره الاسعاف بالساعات و اضطرارانا لنقل المصابين بانفسنا مما قد يعرض المصاب للوفاه او العجز الدائم او يعرضنا نحن للمسؤليه الجنائية.
وياليت الوعي القانوني يزيد عند المواطن من خلال تدريس ماده بسيطه خلال فتره التعليم الثانوي للتعريف بالحقوق و الواجبات اسوه بدوله مثل المانيا مثلا حيث يتم تدريس ماده قانونيه مبسطه من ثلاثون صفحه فقط تشرح الحقوق و الواجبات للفرد حتي تقيهم بعد ذلك من المشكلات و القضايا.
اعتذر عن الاطاله و استخدام اللغه العاميه.
إذا أعجبك الموضوع: تابعنا باستمرار من خلال صفحتنا
على الفيسبوك: مجلة لاكي سترايك
|
تعليقات