معسكر بورسعيد .. فالكون كريست .. وأشياء أخرى

في لحظة من تلك اللحظات النادرة ، بين النوم واليقظة ، تلك اللحظات التي تخف فيها سيطرة العقل المريض على الروح التي أصبحت أكثر سقماً بفعل الأيام ... تذكرت أياماً مضت بين عامي 1988 و1989 حيث ذهبت مع اخوتي ووالدتي - التي كانت من طاقم الاشراف في ذلك الوقت - إلى معسكر بورسعيد الصيفي للشباب والفتيات ، كان المعسكر هذه المرة خاصاً ببنات المرحلة الثانوية من مدرستي شبرا الثانوية بنات وناصر الثانوية بنات - وكان بين المدرستين نوع من التنافس لست أعتقد بوجود مثله هذه الأيام بعد الاضمحلال الدراسي والفكري الذي لحق بالكتاتيب والمدارس والجامعات والبر والبحر.

كانت الفتيات تبدو لنا في ذلك الوقت فتيات كبار بل آنسات بالغات وليس بنات ثانوي كما أراهن اليوم ، حيث كان الفارق السني في ذلك الوقت كبيراً بيننا وبينهن . أتذكر صديقاتي : إيناس وإيمان - اللتان تشبهان بعضهما البعض كل شيء - كان ذلك من سمات الصداقة بين الفتيات - كنت تجد الصديقة تقلد صديقتها في كل شيء في الملبس والشعر تنامان سوياً وتقومان سوياً حتى نفس المايوه ولون طلاء الأظافر.. ، أتذكر : فاطمة وبنت خالتها زينب - من مدرسة ناصر ، كانت الفتيات لسبب ما يبدون بالنسبة لنا أكثر نضوجاً من بنات هذه الأيام في نفس المرحلة السنية

أتذكر تلك الفتاة - إيمان - التي سقط اسمها من كشف الرحلة وكادت ألا تذهب لولا أن جاء والدها وحل المشكلة وكانت من أنشط بنات المعسكر

كان على كل غرفة - وكان بها 8 فتيات - أن تتولى الاشراف على المعسكر يوماً ، ويشمل ذلك النظافة والإشراف على إعداد الوجبات لباقي المعسكر وتنظيم حفلة سمر للجميع تختلف كل يوم عما سبقه وكان ذلك هو الروتين اليومي الذي اختلف باختلاف نوع حفلة السمر.

أتذكر تلك الرقصات الجميلة التي أدتها بعض المجموعات والتي تصادف ان أفرادها من فرق الفنون الشعبية التي كانت يوماً ما موجودة في المدارس بلا ابتذال ، اتذكر ملابسهن وكياجهن ، اتذكر الاسكتشات الممتعة التي كن يؤدينها

أتذكر لهفة البنات في هذه الأيام على العودة مبكراً من الجولات الحرة اليومية – بين الثالثة والخامسة ، أوالاستيقاظ من راحة بعد الغداء والاسراع إلى الكافيتريا حيث كان مسلسل فالكون كريست - الذي أثار ضجة بين الناس وكان من أوائل المسلسلات الأجنبية الطويلة التي تابعها الناس - يعرض لأول مرة على القناة الثانية من التليفزيون المصري ، وكان حبهم لهذا المسلسل طاغياً ويتابعنه بشغف كبير.

أتذكر تلك الفتاة الثرية الرائعة الجمال ذات الشعر الأصفر وصوتها المبحوح التي كانت ترتدي نظارة شمسية دائماً وألوناً زاهية ، والتي نسيت حقيبة يدها في الرست هاوس وكان به 400 جنيهاً مصرياً - وفي ذلك الوقت كان مبلغاً كبيراً لا يتوفر حتى لمدير المنطقة التعليمية في هذا الوقت !! - وكان بها أيضاً شرائط كاسيت ووكمان ، وكانت شرائط حميد الشاعري في هذه الأيام هي الأشهر ، وكان عليها الانتظار ، أسبوعاً بدون شراء - رغم محاولات المشرفات إقراضها مبلغا لتستطيع التسوق ، وهي التي أتت إلى بورسعيد لتشتري الكثير من بورسعيد - المنطقة الحرة في ذلك الوقت ولكن لم يبدوا أن ذلك أثر بها كثيراً !

ولم يكن ذلك هو سوء الحظ الوحيد الذي واجهها في تلك الرحلة ، فلقد تعرضت يدها البيضاء الرقيقة للسعة أحد قناديل البحر الكبيرة - والتي كانت منتشرة في هذا الوقت من الصيف - وتركت علامات زرقاء على يديها ، التي كانت من فرط بياضها ورقتها كانت تبدو منها العروق في ساعدها ومعصمها وتحت أساورها وغوايشها الكثيرة.

أتذكر رائحة السوق وازدحامه ، حيث كانت تباع معاجين الاسنان المستوردة والصابون والشامبو والملابس والأحذية الغالية الثمن وحتى معاطف الفرير.. وكل مالا تجده في القاهرة التي كانت ترزح تحت وطأة محلات القطاع العام والخيار الوحيد كان شارع الشواربي الشهير. أتذكر عبق الحقائب أثناء العودة وهي تفوح بمزيج من العطور والروائح.

أتذكر محاولات الشبان العابرين التلصص على المعسكر من الباب المطل على البحر ، أتذكر تلك الفتاة   التي كانت تعاني من متاعب في كليتها واحتاجت لنقل للمستشفى ، أتذكر ذلك الشجار الذي دار بين أحد أجمل الفتيات وأكثرهن شقاوة في المعسكر ومشرفتها - من نفس المدرسة - وكان بينهما علاقة الصديقات وليس المشرفات ، أتذكر صلحهما المؤثر في نهاية الرحلة والدموع التي انهمرت والأسف على الوقت الجميل الذي فات هم على خصام.

ترى ... أين هم الآن وماذا فعلت الحياة بهن ؟

إذا أعجبك الموضوع: تابعنا باستمرار من خلال صفحتنا على الفيسبوك: مجلة لاكي سترايك أو تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك | للتعليق:اضغط هنا

مسلسلات أمريكية - ذكريات
Searches related to فالكون كريست
فالكون كريست ويكيبيديا
ابطال مسلسل فالكون كريست
falcon crest season 1
مسلسل نوتس لاندنج
ابطال مسلسل نوتس لاندنج
ana alicia
knots landing
مسلسل داينستي