‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل

الأحد، ديسمبر 29، 2019


-           ميستر ميستر...بليز 

توقفت والتفتُ إلي مصدر الصوت : كانت فتاة خمرية اللون, ملامحها ليست افريقية بالمعني المُتعارف عليه و إنما هي اقرب لملامح النوبيات المصريات, استجمعت قدراتي اللغوية وحاولت الإجابة بإنجليزية سليمة :
-           آت يور سيرفيس

لفت انتباهي مستواها الرائع في اللغة الانجليزية رغم وجود لكنة افريقية بسيطة في بعض الكلمات, كانت تحمل ورقة صغيرة تحمل عنوان : كنيسة كل القديسين في حي الزمالك.... كنت اعرف مكان الكنيسة العريقة وان لم اعلم كيف يمكنها الذهاب من موقعنا في منطقة عرب المعادي.. وأشرت عليها بركوب سيارة أجرة وعرضت عليها أن أتحدث مع السائق واتفق معه علي سعر يرضي الطرفين.. صرخت بانفعال مكتوم :

- لا أستطيع ركوب التاكسي لا أثق بهم بعد ما حدث..

لفت انتباهي ردها و رد فعلها وتأملتها أكثر فأكثر : فتاة ثلاثينية ذات ملامح هادئة لا ينقصها الجمال وان بدي عليها الهزال والضعف الشديد, كما لفت انتباهي أيضا شفتيها الدقيقتين و المتشققتين في نفس الوقت .. كانت ترتدي قميصا من الكاروهات وبنطلون جينز باهت اللون و صندل نسائي .. وكان شعرها طويلا يقارب طول الكتفين مشدودا بإحكام خلف رأسها بشريط مطاطي , كما كانت ترتدي صليبا أرثوذوكسيا يتهادى في حيرة بين نهدين صغيرين ولم يكن صعباً رؤية ذلك, فقد كان زرالقميص العلوي مفتوحاً ولكنني شعرت بالخجل من أن الفت نظرها لإغلاقه .

لا اعرف ما الذي دار بذهني في تلك اللحظة كل ما أحسست به هو رغبتي في مساعدتها, فهيئتها الرثة بعض الشئ ورعبها من ركوب التاكسي تؤكد أن هناك خطباً ما في حياتها .
-           أستطيع أن أساعدك فانا ذاهب إلي هناك..
-           لم أكن ذاهباً حقيقةً إلي هناك, ولكن لم يكن لدي شيء آخر لأفعله كمعظم أيام إجازاتي في القاهرة, سألت بعض المارة عن وسيلة الذهاب و بالفعل انطلقنا سوياً إلي هناك تجاذبنا أطراف الحديث وأمام احد الأكشاك في الشارع توقفت وقالت:
-           هل تستطيع أن تشتري لي زجاجه من المياه المعدنية فقد ابتعدنا بما يكفي!!! 

لم افهم ما تعنيه وهمت بإخراج النقود من حقيبتها.. أوقفتها بابتسامه بسيطة :
-           انت هنا في مصر و النساء لدينا لا يدفَعن شيئا في حضرة الرجال ..
 حاولت الرفض بشدة فلم أمهلها الفرصة و انطلقت الي البائع اشتريت زجاجة ماء و عصير كوكتيل أيضا .. وعُدت إليها... تناولت الزجاجة مني في انقضاضه سريعة وغير متوقعه و لدهشتي شربت نصف الزجاجة علي جرعة واحدة ..

أشرتُ إليها أن رويداً رويداً .. لم أكد أكمل جملتي حتى لاحظت الارتياع الشديد علي وجه الفتاه, حولت بصري إلي حيث تنظر فرأيت رجلا يقارب الأربعين من العمر يرافقه أربعه من الشباب: صاح الرجل و هو ينقض علي الفتاة

- عايزين تقطعوا المية عننا يا أحباش: طب مفيش ميه.

و في حركة واحدة صفعها علي وجهها ملقيا بالزجاجة علي الأرض..  قبل ان أفيق من ذهولي دفعني احدهم في صدري دفعة قويه
-           عايز منها ايه يا نحنوح ؟؟قالتلك الساعة بكام؟؟
لم اشعر بنفسي إلا وانا أتبادل معهم الدفع و الركلات و اللكمات: صارخا : في إيه؟ عايزين ايه يا ولاد ال.....
 وانهلت عليهم سباً وقذفاً خرج صاحب و رشه ميكانيكا من الجهة المقابلة و معه مساعدوه حاملين معهم هراوات و جنازير و كأنهم معتادون علي مثل هذا المشهد وصاح صاحب الورشة في الجميع :
-           والله عيب عليكم يعني دي لو كانت أمريكانية كنتوا عملتوا كده ؟ بتضربوا مرة غلبانه؟ 
وللحظات واصلت الدفاع عن نفسي ولم يتوقف الصفع و الركلات سواء من جانبي أو من جانبهم  حتي استطاعت المجموعة (التحجيز) بيننا و لم أفق إلا و صاحب الورشة يدفعني في صدري صارخاً :
-           خُدها و زُوُغ انتا بقي....

 و كأنه قد أعاد إلي رشدي و أشعل داخلي فتيل قنبلة.. لم اشعر بنفسي إلا و أنا التقط يد الفتاة و أطلقت ساقي للريح.. كنت اجري بدون توقف رغم عدم ممارستي للجري و للرياضة بشكل عام منذ سنوات.. توقفت بعد مسافة كبيرة نسبياً ,لاهث الأنفاس وكانت الفتاه أكثر إعياء مني , لم أميز ملامح وجهها من الدماء, كما غطت زراعيها و رأسها الكدمات و السحجات.

-           سالتها: من هؤلاء؟ اتعرفينهم و لماذا يضربونكي هكذا؟

لم أتلقي اجابه عادية كانت الإجابة في شكل صراخ هستيري محموم ممزوج بدموع حارة بلغة لم افهمها ساعتها, عرفت بعد ذلك أنها اللغة الامهريه و ان الفتاة لاجئة اثيويبه !!
لم تتوقف الفتاه عن الصراخ الهستيري و الهذيان حتى وقعت مغشيا عليها....

تجمع المارة, ساعدني البعض في نقلها إلي مستشفي قريب بسيارة احدهم و كان الاتفاق أنني سوف أكون المُبلغ عن الحادث وأنني أنا الذي سأدفع تكاليف دخول المستشفي..
 لم أكن قلقا علي حالتها الصحية فهي لم تنزف القدر الذي قد يؤدي الي الوفاة و علاج بعض الكدمات و السحجات لن يتكلف الكثير .

و لحسن الحظ كنت احمل معي كارتين ائتمان احدهما ذو حد ائتماني كبير نسبياً.
 دخلنا الي المستشفي قام موظف أمن محدود الذكاء في انفعال مُفتعل ليُسمع زملاؤه:
-           ممنوع يا أستاذ؟؟
سألته في هدوء: إيه هو اللي ممنوع؟
-           ممنوع علاج الافارقه هنا.
لم أتمالك نفسي:
-           يعني ايه؟ إنسانه متعوره و فاقدة الوعي .. مش دي مستشفي برده و لا أنت مش عارف انت شغال فين؟؟
جاء شخص يبدوا انه من قسم الاستقبال
-           لو سمحت يا أستاذ وطي صوتك دي مستشفي محترمة.
-           اوطي صوتي ايه انت مش شايف الحاله؟؟ هنقضيها رغي ؟؟بقولك عاوزها تخش قسم الطوارئ فيه ايه ؟ ايه المشكلة؟؟
تجمع الموظفين أكثر فأكثر و جاء مديرقسم الاستقبال:

-           يا استاذ بعد اذنك دي مستشفي استثماري ومش حكومه عارف اليوم هنا بكام؟ هل في صله قرابة بينك و بينها؟؟ 

-           يا سيدي مفيش صله, انسانه لاقيتها مصابه اتتضربنا من شويه بلطجيه و إتصابت و جاي أعالجها أخرك معايا اديلك فلوس و امضيلك إقرار .. في ايه ؟ هي أول مرة اخش مستشفي؟ 
-           ممنوع علاج الافارقه هنا.

-           ليه هما مش بني آدمين؟ و أنت مش دكتور؟ ُأمال ملايكة رحمه ايه و زفت ايه بس.. والله إن ما دخلت الطوارئ هعملك محضر و ابلغ انكم سيبتوها تنزف لغاية ما تموت.
انتهي الموقف بتدخل مدير المستشفي و التأشير بدخول المريضه إلي قسم الطوارئ و عمل أشعه لمعرفة وجود كسور من عدمه. وقعت علي الإقرار وتم التحفظ عي هويتي الشخصية مع خصم المبالغ المطلوبة كلها من بطاقة الائتمان. وتم حمل الفتاه علي النقالة الخاصة بقسم الطوارئ فاقدة الوعي كانت تتنفس بشكل طبيعي,وان تثاقلت انفاسها , تقدمت الي ممرضه قائله:
-           تعالي يا أستاذ عشان تستلم متعلقاتها علي مسئوليتك الشخصية.

لم اعرف لماذا يصرالجميع اليوم علي استخدام اللغة العربية!!

 اصطحبت الممرضة  التي خلعت القرط الذهبي البسيط من أُذني الفتاه و السلسلة ذات الصليب و ناولتني حقيبة يدها. تم إدخالها غرفة الأشعة لعمل أشعه مقطعيه للتأكد من سلامة الجمجمة و باقي العظام.

 جلست علي اقرب مقعد مُنهك القوي و قبل دخولها الي قسم الطوارئ كنت قد عثرت و لحسن الحظ علي جوازسفرها في حقيبتها تم تصويره واعادته إلي في الحال: اسمها : ماراجاتو بيكيلي ناكاكاندي وان اختصرته لي في حواري معها الي : مارجو.

لفت نظري أثناء إعادتي لجواز السفر إلي حقيبتها وجود مفكرة متوسطة الحجم ,أخرجتها لأنني احتاج الي معرفة بيانات اكثر عنها,عنوانها أو اقرب شخص يمكن الاتصال به...

كانت المفكرة اشبة بدفتر يوميات , لفت نظري اختلاف أسلوب و نوعية التدوين بل نوعية الأقلام عبر الأيام حتى انه توجد تدوينات مكتوبه بقطرات من الدم و كانت مؤرخه بالأيام: في بداية الكتابة كانت معظم التدوينات باللغة الامهريه ,حتي بدأت تدون بعض الجمل الانجليزية البسيطة من السياق عرفت أنها قد هربت من بلادها بعد اندلاع ثورة شعبيه في قريتها وأنها هي وعائلتها ممن تم تهجيرهم من أراضيهم بسبب سد النهضة الشهير ,, ذكرت بعد ذلك مقتل أخيها في المعتقل ,انتقلت بعد ذلك الي تدوين رحله هروبها من اثيوبيا الي صحراء السودان و منها عن طريق عصابات التهريب الي اسوان.

لم يكن المال الذي دفعته كافياً لاستكمال الرحله فتم ابقائها قسراً في مدينة اسوان في احد البيوت لتعمل كخادمة مقابل طعام ردئ و كان يتم دفع اجرها الشهري الي المهربين لمدة 3 اشهر حتي نقلها المهربين الي القاهرة ومن هناك تقدمت بطلب لجوء الي المفوضية العليا لشئون اللاجئين ورغم حصولها علي بطاقة لاجئ منذ 3 سنوات الا انها مازالت علي قائمة الانتظار بعد ذلك ينقطع السرد و التدوين ربما لشهور ثم تعاود الكتابة ,لفت نظري جمل مثل:

- لا اريد ان اخون المسيح وانكره كما انكره  بطرس الرسول من قبل, ينصحني الجميع بخلع صليبي وارتداء الزي السوداني التقليدي حتي أستطيع التنقل بأمان داخل القاهرة بعد تركيز الإعلام المصري علي قضية سد النهضه, لا اعرف لماذا يصب المصريون جام غضبهم علينا ؟؟ نحن المضطهدون؟ المغتصبة أرضنا بسبب ذلك السد اللعين؟ما الذي سيفعله خلع الصليب إذا كنت لا أتحدث اللهجة السودانية و لست مكتنزة الجسم مثل السودانيات ؟ و لا تفوح مني رائحة الدلكه السودانية الشهيرة.؟

اليوم طاردني زوج مخدومتي السيدة (ت) لا اعرف لماذا يريد معاشرتي ؟ رغم أن زوجته أجمل مني مائة مرة بمقاييسهم؟؟أيشعره ذلك برجولته؟؟كم اريد ان اصرخ في وجهه القبيح ذو الأنف الأفطس: الظروف و القدر فقط هما ما دفعاني للعمل لديكم كخادمة ولست اقل منكم شأنا فانا حاصلة علي درجه الماجستير في التاريخ و الانثروبولوجي واجيد الانجليزية و الفرنسية والايطالية و الامهريه.

تناولت الكثير من البصل اليوم فاذا ما جاء هذا الخنزير و حاول تقبيلي مرة اخريكما حدث سابقاً فسأحرقه بأنفاسي وربما اصرخ في وجهه و لنري ماذا سيقول لزوجته.

نهتني مخدومتي السيدة (ت) عن أكل البصل قائله بانجليزية أشبة بلغه الأطفال:جو كلين ماوث!!!
أين حروف الجر و تصريف الأفعال يا امرأة؟؟ وتنهاني عن الحديث مع ابنها الطفل بانجليزيتي ذات اللهجة الاثيوبية حتي لا اؤثر علي انجليزيته ذات اللهجة الأمريكية !!لماذا لا تستخدمون خادمة أمريكية من الأساس؟اقسم بصعود مريم العذراء: أني احمل شهادة دكتوراه و قرأت من الكتب الانجليزية ما يفوق وزن مخدومتي اضعافا مضاعفه, لا سأكون صريحة ...ففخذها وحده يساوي نصف حجم ما قرأت من الكتب!!

لا اعرف لماذا يصب الجميع جام غضبهم علينا نحن اللاجئين الإثيوبيين؟لا اعرف اللغة العربية و لكن لماذا يصرخ هؤلاء الإعلاميين حتي الساعات الأولي من النهار في وجه مشاهديهم و خلفهم صورة للأعمال الجارية في ذلك السد اللعين؟

تصاعدت وتيره العنف اليوم ضد سكان المنطقة من الإثيوبيين و يقال أن هناك حمله علي الفيس بوك بقطع المياة عنا!!

حدث فعلا ما أخشاه لا اعرف كيف يتم قطع المياه عن شقتنا بالذات دون باقي سكان العمارة؟ما هي وسيلتهم .. هل علي تغير المسكن المُستأجر للمرة الرابعة خلال هذا الشهر؟الا يفهمون أننا لا علاقة لنا بهذا السد و أننا هنا فقط لفترة مؤقتة حتى يتم البت في طلب اللجوء الخاص بنا و بعدها سنرحل إلي مجهول أخر ربما يكون أكثر وحشية و تعصبا؟؟
كم اود لو كان المصريون يقرؤون :الم تكن أثيوبيا هي البلد التي احتوت و احتضنت المهاجرين الأوائل في عهد رسولهم المُوقر؟الم يكن المؤذن الخاص به من الحبشة ؟وربما اكون حفيدة النجاشي الملك الذي لا يُظلم عنده احد؟ اريد ان اصرخ :لست حفيدة ابرهه الحبشي الذي حاول هدم كعبتكم المقدسة أنا مجرد لاجئة بشكل مؤقت في بلدكم.
لا.. سأتراجع عن امنيتي :ياليت المصريون يظلون علي حالهم ولا يقرأون: ماذا لو قرأوا عن الهزيمة النكراء التي تعرض لها جيش الخديوي اسماعيل في معركتين متتاليتين في الحبشة؟ ماذا لو عرفوا أننا مازلنا نحتفظ بمدفعين عظيمين ..غنيمة مصريه في ساحه اكسيوم الكبري؟!!

 لماذا أصبحت أجسادنا و أعراضنا و أموالنا مُستباحة بهذا الشكل؟
 اليوم اشهر سائق التاكسي مطواة في وجهي و سرق مني المحمول و النقود القليله التي معي ...اه ولا أستطيع الإبلاغ عنه فقد يتم ترحيلي في أي وقت و كيف لي ان اشرح الموقف و لست أجيد العربية؟؟؟؟

توقفت عن قراءه المذكرات علي صوت ذلك الطبيب الشاب الذي طمأنني أنها بخير ولا يوجد اثر لكسور بجسدها كما اخبرني انه قد تم تركيب محاليل جلوكوز لها و انها تستطيع الخروج خلال الساعات المقبلة.. حمدت الله علي ذلك...

تعددت لقائتنا بعدها و تواصلنا بشكل شبه يومي عرفت الكثير والكثير عنها كما عرفت هي أيضا الكثير عني ساعدتها مادياً في بعض المرات و تكفلت مَخدومتها بشراء محمول متواضع لها بعد أن عرفت بالحادث الذي تعرضت له .

كنت اعرف انها علي قائمة الانتظار لتحقق بعد ذلك حلمها بالانتقال الي أمريكا اوكندا .... و من آن إلي أخر كنا نتحدث تليفونيا حتى انقطعت أخبارها تماما .. رقم هاتفها غير متاح بشكل دائم... حتي بدأت تتلاشي ملامح  وجهها الطفولي كامل الانوثة و كذلك صوتها ذو البحة الخفيفة المحببة إلي القلب, من ذاكرتي و أذني ,حتي أصبحت كخيال مُتلاشي أو بقايا حلم حلمت به منذ زمن بعيد و إن بقي الأمل و دعاء إلي الله ألا يكون قد حدث لها مكروه  اوان تظهر من جديد, معلنة عن نجاحها في اللجوء و الهجرة إلي أمريكا.

الاثنين، أكتوبر 28، 2019


كنت قد انتهيت توا من شرح الآثار الموجودة بقاعة مقبرة توت عنخ آمون بالمتحف المصري وعلي سبيل الراحة لي و للفوج السياحي أيضا, أعطيتهم ثلاثون دقيقة جولة حرة, بدوني لمن أراد التجوال بشكل حر ورؤية يعض الآثار الأخرى التي لم يتسع وقت الجولة لزيارتها.

و كنت قد اتفقت مع الفوج علي أن تكون نقطة الالتقاء خارج المتحف عند البوابة الخلفية في تمام الساعة الرابعة حتى يتثنى لنا الانطلاق في الموعد المحدد لتناول وجبة الغداء ثم زيارة معرضين للبردي و آخر للعطور, كم كنت اكره إصرار شركات السياحة علي زيارة تلك البازارات فمعظم السياح أو كما يُطلق عليهم "الزبائن"لا يشترون تلك الأشياء ليس فقط لأن معظمهم قد زار مصر لأكثر من مرة و ليس فقط لأن ميزانيتهم محدودة ومحسوبة مسبقاً و لكن أيضا لأن الأمر مُتعلق و بشكل أساسي بعلم "دوافع الشراء" فهم لا يشترون إلا وفقا لمنظومة معقدة و أتحدث هنا عن الجنسية الألمانية فقبل اتخاذ قرار الشراء يجري الكمبيوتر المعقد داخل رأس كل منهم عملية حسابية معقدة تشمل احتساب الوزن الزائد في حقيبة رحلة العودة بالطائرة وهل تتناسب تلك القطعة التذكارية مع الديكور العام للشقة وهل يمكن توفير هذا البند من الإنفاق واستبداله بشيء آخر أكثر أهمية !! نعم تلك هي الحقيقة التي توصلت إليها بعد احتكاك مباشر و لسنوات طويلة من العمل في مجال الإرشاد السياحي, بالطبع غابت تلك الحقائق عن الكثيرين من أصحاب شركات السياحة الذين يصرون وبشكل فج ومبالغ فيه علي عمل تلك:"الوقفات" وزيارة تلك البازارات: ورق و حجر و عطور !! الورق هي بازارات بيع الورق البردي و الحجر هي بازارات بيع التحف و المصنوعات التذكارية المصنوعة من الحجر و العطورهي بازارات لبيع العطور المًقلدة ، وان كان لا يوجد مجال للاستغناء عن تلك الزيارات لأن المرشد يحصل علي عمولة خاصة من مبيعات تلك البازارات في حالة شراء الفوج السياحي بعض من تلك المنتجات .

لم تكن تلك المجموعة تبشربأي نوع من المبيعات فمعظمهم قاد ناهزالأربعين والخمسين عاماً والطقس حار جدا وهم بالكاد يتحركون.. وللحق.. فالرحلة متعبه لهم, خاصة وأنهم مستيقظون منذ الصباح الباكرلزيارة الأهرامات والمتحف المصري بالإضافة لزيارة إشارات المرورالكثيرة بقاهرة المعز!!.

بدأت مجموعات منهم في التوافد علي نقطة الالتقاء المُحددة في انتظارالحافلة التي ستقلنا إلي المطعم المتفق عليه لتناول طعام الغذاء, كانت نقطة الالتقاء خلف المتحف تطل علي شارع جانبي يؤدي إلي نهر النيل رأيت فتاة في مقتبل العمر تحمل باقة من الورد البلدي وهي تعبر الطريق متجهةً إلي ...وما أن اقتربت حتى تقدمت نحوي في أدب قائلة : والنبي يا بيه كلم الزباين يشتروا مني...

قاطعتها : ابعدي بس بعيد شوية عشان ظابط السياحة جاي ..دول لا هيشتروا ولا هيعملوا اي حاجة !! وابتسمتُ ضاحكا: دول ما بيشتروش إلا بقواعد و كتالوج!!!
صاحت:الأرزاق في أيد ربنا والرزق مالوش لا ميعاد ولا قواعد.
تعجبت من قدرتها علي الجدال واختزالها للإيمان بالغيب والرزق في تلك الجملة البسيطة.

حقيقة الأمر أني لم أشأ أن يُنفق هؤلاء السياح الميزانية البسيطة التي معهم علي الورد رغبة مني في أن يشتروا من البازارات التي سنزورها أو حتى أن يعطوني "تيبس" أو "بقشيش" في نهاية الجولة وهي احدي مساوئ مهنة الإرشاد السياحي في مصر ففي أثناء الدراسة يتم إعداد الطلاب علي أنهم سفراء يعكسون الوجه الحضاري لمصر و لكن واقع الأمر أن المرشد السياحي,حقيقةً, رزقه غير مَعلوم و غير مُنتظم و قائم بشكل أساسي علي العمولات و البقشيش ..للأسف..

أفقت من شرودي علي إلحاح تلك الفتاة مرة أخري: يا بيه كلمهم بس.. أي حاجة هتيجي من وشك السمح ده مبروكة إن شاء الله ...ربنا بيبارك في القليل....
تأملتها بتمعن هذه المرة :فتاه في مقتبل العمر ربما لم تصل إلي العشرين من عمرها تعلوها مسحه من الجمال الهادئ المخلوط بالإجهاد والتعب والفقروإن لم يغب عنها خفة الدم والروح.

وعلي طريقة أفلام الكارتون الشهيرة ظهر فوق رأسي ملا ك هزلي الشكل يأمرني بمساعدتها وعلي الجانب الآخر شيطان ساذج الهيئة يأمرني بالبخل و عدم مساعدتها ... تركت الاثنين يتصارعان قائلا: اطحنوا في بعض!! و طردت الهواجس من رأسي متأسياَ بمقوله تلك الفتاه : أن الرزق يأتي بدون قواعد أو كتالوج و فعلا قررت مساعدتها...

-طب .. بُصي استني لغاية ما يتجمعوا كلهم عشان اكلمهم لك مرة واحدة لو واحد منهم بس اشتري كلهم هيقلدوه.. خليكي بس ورايا عشان الظابط ما يشوفكيش..
 
كان قد فات الأوان و بالفعل توجه أمين الشرطة إليها بمزيج من السباب و الانفعال.. كنت اعرفه.. فللأسف من مساوئ تلك المهنة أيضا أن علي المرشد السياحي أن يزلل جميع العقبات التي قد تواجهه ومنها: تدخل تلك الفئة من الشرطة و محاولتهم ابتزاز المرشد أو طلب "المعلوم" استنادا إلي أي مخالفه مزعومة للقانون مثل: أن ركن الأتوبيس السياحي هنا ممنوع مثلاً أوغير ذلك والقواعد معلومة للجميع :"أبجني تجدني" و ما أن : تكسر عينه مره واحده بذلك المعلوم أو الإكرامية فلن  يستطيع ان يرفع تلك العين فيك مرة أخري و بالفعل قلت له بلهجة حازمه مبتسما ابتسامة مصطنعة: كله تمام يا عَمنا ..سيبها دي تبعي وأخرجت "المعلوم" و ناولته اياة في شكل ورقة مالية مطوية في راحة يدي وكأنني أتبادل معه التحية باليد فأخذها مسرعاً متظاهرا بالصياح علي ماسح الأحذية في الجهة المقابلة..

و بالفعل تجمع الفوج و صعد الجميع إلي الأتوبيس السياحي و بقيت انا و بائعة الورد حتى صعد آخر سائح منهم، كنت اعلم أن هذا مخالف لقواعد العمل المهني وغيرمسموح بصعود أي شخص آخر إلي الأتوبيس السياحي إلا أنني أشرت إليها بأن تصعد و صعدتُ خلفها .. نظر إلي سائق الحافلة بارتياب كنت اعلم ما يدور بذهنه, فأشرت إليه مداعباً طبقة التدين البسيطة والسطحية بداخله: الله في عون العبد مادام العبد في عون اخيه..غلبانه يا أخي و بتسترزق ..و قبل ان يقول شيئا كنت قد التقطت الميكروفون داخل الأوتوبيس ولا اعلم وإلي يومنا هذا كيف استطعت الارتجال بتلك الكلمات: "ها قد أتت حفيدة كليوباترا لتحييكم وعلي طريقتها الخاصة!! .. سألتم كثيراً كيف تبدو المرأة المصرية وهل مسموح لها بالعمل؟ ها هي شابة جميله وتعمل في أرق و أجمل المجالات... مجال الورود... الوردة الواحدة بيورو واحد فقط .. شمه واحده من الورد المروي بنهر النيل تمنح القوة للرجال و الرقة و الرومانسية للنساء!!!

وقفت بائعة الورد مذهولة فبالطبع لم تفهم كلمة واحدة مما قلت أو لماذا يضحك الجميع فنظرت إلي مشدوهة ونقلت بصرها بيني و بين الفوج السياحي...

ما ان انتهيت من تلك الجملة الارتجالية و بلغة ألمانية سليمة حتى ضجت الحافلة بالضحك والاستحسان و تباري الجميع في الشراء .. أمرت الفتاه بسرعة, بالسير داخل الممر بين الكراسي لتعطي كل واحد منهم ومنهن وردة و توليت انا عملية جمع النقود منهم وإعطائهم الباقي, لأنه من المستحيل عليها ان تستطيع احتساب الفارق أو المتبقي لكل منهم نظرا لشكل عملة اليورو الغريب عليها آنذاك.. و صدق حدثي فما أن انتهيت حتى ناولتها جميع النقود قالت لي ببساطة: دول ايه دول يطلعوا كام يعني؟100 جنيه؟؟ : ضحكت قائل: يطلعوا كتيراوي روحي اي مكتب صرافه من اللي قدام المتحف في شارع التحرير وغيريهم من هناك مصري وخللي بالك من نفسك ...نزلت من الحافلة و هي تدعوا لي و للسائق بل للزبائن أنفسهم بحج بيت الله الحرام!!! .. أغلق سائق الحافلة الباب الكهربائي ورائها في عصبية و انطلق قائلا : مش إحنا كنا اولي بالفلوس دي يا باشا!!
قلت له : يا أخي سيبها علي الله.. الأرزاق بيد الله

حقيقة لا اعرف ما الذي حدث ..فقد انطلقت الحافلة تشق طريقها و بدأ الجميع في استنشاق ذلك الورد البلدي.. تزامن ذلك مع صوت موسيقي خافته لأم كلثوم عبر سماعات الأوتوبيس والهواء البارد المنبعث من مكيف الهواء يداعب الجميع... عبرنا كوبري قصر النيل .. سرَت حالة من الرومانسية بين السياح.. فمنهم من تبادل قُبله خاطفة مع رفيقته و منهن من وضعت الوردة في شعرها او في فتحة صدر الفستان,, بدت المجموعة و كأنها قادمة من هاواي او جزر تاهيتي!!

بعد الغداء توجهنا إلي البازارات المتفق عليها و علي غير المتوقع اشتري الجميع بلا استثناء من المعروضات المختلفة و حصلتُ علي عمولة كبيرة وليس هذا فقط بل حصلتُ أنا والسائق علي "بقشيش" كثير في نهاية الرحلة ..حقيقة لم أجد تفسيرا لذلك إلا أن الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه...

في  اليوم التالي جاءتني نفس الفتاه بائعة الورد و في نفس الميعاد تقريبا قلت لها : أهلا يا وش الخير عملتي ايه؟؟ غيرتي الفلوس:؟؟
انا جايه اقولك: ربنا  يكرمك و يسعدك و يديك الخير كله..و...
قاطعتها ربنا يكِرمك و يوفقك .. انتي منين؟؟

تجاذبنا أطراف الحديث و لشهور متتالية كانت تأتيني و اذا لم يشتري منها احد من السياح كنت أعطيها أنا اللي فيه النصيب..و حقيقة كنت أستمتع بالحديث معها فبالرغم من صغر سنها إلا أنها كانت تتميز بخفة ظل و ببساطة تريح النفس و ثقة غير عادية بالله ..

سألتني في براءة شديدة ذات مرة: ممكن تتجوز واحدة من دول؟
وأشارت بطرف عينها إلي واحدة من السياح حولنا.
-          ماحدش يعرف نصيبه فين ..
-          قاطعتني قائله بلهفة طفوليه وكأنها تريد إقناعي بوجهة نظرها وإبعاد عقلي عن التفكير في هذا الموضوع:
-           دول زي الورد.. بس من غير ريحه طعمه مُر و كله شوك!!!

ضحكت كثيرا من تقييمها للأمور القدرية بتلك البساطة والبراءة.

- غيرت مجري الحديث قائلا :عاملة إيه في شغلك؟

- والله الدنيا مش قد كده و محدش سايب حد في حاله.

- ازاي يعني ؟خير؟

- عالكورنيش علي طول عربيات بتقفلي واللي يفتح الباب واللي يعاكس و حاجه قلة أدب..واللي عايز قلة الأدب اكتر من اللي عايز يشتري.
- و بتعملي ايه مع النوعية دي؟

- هو فيه حاجة بعد الشرف؟ ده ربنا هو اللي بيقوي الواحدة مننا والله...

انقطعت عن زيارة القاهرة لفترة متحولاً الي مدينة الأقصر وأسوان و لم اعد أتذكرها.. إلي أن عُدت بعد فترة مع فوج سياحي آخر إلي المتحف و لدهشتي أتت الي نفس المكان .. فرحت كثيرا لرؤيتها بدت مضطربة و ليست علي طبيعتها ..بادرتها :

- ازيك و ازي أمك و اخواتك؟

- ردت باقتضاب بخير يا بيه ..تعيش و أخرجت ورقه ماليه كبيره أرتني اياها قائله دي تعمل كام مصري دي ؟

تناولت الورقه منها و تفحصتها: لأ دي ملغية..

نظرت في رعب شديد : يعني إيه ملغية؟

-          دي عُملة قديمة وملغيه يعني البنك بتاعهم لغاها ..ما يغركيش الاصفار الكتير اللي عليها و...

-           اختطفت الورقة من يدي.. ذُهلت جدا.. فلم اعتد منها علي سلوك كهذا..وافقت من ذهولي علي عويلها و صراخه و لطمها علي خديها - يا ريتني مُت ..ياريتني مت..  ياولاد الكلب يا كفرة...

-خير مالك؟؟ في اية؟؟ ؟؟ لم تعرني اهتماما وانطلقت مسرعة تجري باتجاه الكورنيش مرة أخري ولم تلتفت إلي ندائي عليها  وابتلعتها حركة الزحام  هناك و سرعان ما انطلقت مع الفوج السياحي الخاص بي و أنا شارد الذهن وتسارعت في عقلي الأسئلة؟ ما الذي قد حدث لها؟ و من أين حصلت علي تلك الورقة المالية؟؟ أيمكن أن يكون هناك من نصب عليها في باقة الورد و أعطاها تلك الورقة المالية الملغية؟ ام تكون قد ....قد تساهلت مع احدهم تحت ضغط الحاجة و الفقر و حدث ما حدث نظير تلك الورقة المالية الملغاة؟؟

أفقت من شرودي علي صوت احد السياح و هو يسألني عن شيئا ما.. لا اذكره الآن ...

لم أقابل بائعة الورد ثانية ... سألت عنها كثيرا أمين الشرطة قرب المتحف أو حتى السائقين المترددين بانتظام علي المتحف المصري  لم يعرف أيا منهم أين ذهبت أو بالأحرى أين اختفت....
 تمت

الأربعاء، يناير 11، 2017



ما أن مالت شمس ذلك اليوم الحار نحو المغيب، حتى تنفس سكان تلك المحافظة الصغيرة الصعداء، كان يوماً خانقاً، لم ترد الشمس أن تغرب إلا بعد أن أصابت عددا لا باس به من سكان المحافظة بضربات شمس موجعه وبعد أن لوحت وجوه البشر بسمرة مؤلمة ، بالطبع لم يسلم حامد من تلك الشمس فلقد استلم موقعه منذ الخامسة صباحا و حتى مغيب الشمس، كان ينتظر بفارغ الصبر انقضاء ساعات خدمته كعسكري مرور عند ذلك التقاطع، ليس فقط ليرتاح من تلك الشمس المحرقة في هذه المحافظة النائية بل لأن انتهاء تلك الوردية يعني انتهاء مده تجنيده التي استغرقت سنتين كاملتين .لم تكن تلك المحافظة هي محافظته الأصلية و لكنها كانت محل تجنيده فقط ما أن يُصرح له بأجازة ، فلا يشعر بنفسه إلا و هو "مُسطح" فوق احد القطارات متجها نحو بلدته في أقاصي الصعيد، لم يكن ينتظر حتى يذهب لبيته ليطمئن علي والدته و أخواته البنات بل كان ينطلق مباشرة نحو منزل عمه ليطمئن علي ابنه عمه و حُب عمره منذ الصغر وكأنه يستوثق من ذلك الوعد القديم الذي وعدته إياه بأنها لن تكون لأحد إلا له . كانت فتاه عادية اقل جمالا من أي فتاه أخري في القرية ولكنها كانت تحبه وتعشقه بجنون فهو رجلها و فارس أحلامها ... لم يكن ذلك اليوم كأي يوم أخر فمنذ ما يقرب من أربعه اشهر تحققت جميع أحلامه و تم كتب كتابه علي ابنه عمه، حبه الوحيد واشترط الأهل في تعسف شديد ألا تتم "الدخلة" إلا بعد تنتهي مدة خدمته العسكرية .. لا يدري ما الذي حدث بعد كتب الكتاب و ما الذي دفعه إلى اتخاذ ذلك القرار المجنون ربما شدة الشوق و العشق الذي اختمر داخله لسنوات و ربما روح التمرد علي التقاليد الباليه، ربما رغبته أن يثبت لنفسه أن ابنه عمه أصبحت زوجته  بالفعل و حدث ما حدث: فلقد عاشرها معاشرة الأزواج وهي بالفعل زوجته أمام الله و رسوله و بأوراق رسميه ولكن تحكم الأهل هو الذي أثار داخله روح التمرد تلك،،،، لم يعرف أن المشكلة ستتفاقم و تتعقد بهذا الشكل إلا عندما ودعته زوجته في آخر إجازة له بعد أن أخبرته دامعة أنها قد حملت داخلها جنينا منه. في ظروف أخري كان ليطير فرحا لكن الآن كل ما سيطر عليه هو ماذا سيحدث لو تأخرت "الدخلة" لأي سبب؟ من سيصدق أن زوجته شريفه؟ أو من سيثق بها بعد ذلك من أهلها أو أهله؟ ربما تعقدت الأمور أكثر وربما شكوا إنها قد تكون قد حملت من غيره... كل ما تذكره هو وجهها و عينيها المملوءتين بالدموع و هي تتشبث بذراعه في محطة القطار قائله في ضراعه:
-          سايقه عليك النبي لتسترني و لا تفضحنيش .

أفاق من شجونه ومخاوفه علي صوت سيارة الشرطة "البوكس" التي تحمل اثني عشر فرد شرطه هم قوه التأمين الاساسيه للمحافظة حيث أقبلت في رتابة لكي يتسلم زميله الخدمة منه ، و لابد من الذهاب لمبني المديرية لتسليم عهدته وأوراقه و إنهاء خدمته حتى يستطيع العودة لزوجته المحبوبة لإتمام "الدخلة" أمام أهل القرية و ليحدث بعد ذلك أي شئ ،لا يهم المهم هو إنقاذ سمعتها كزوجه شريفه..

ما ن رأي السيارة حتي اعتدل و ارتدي "البيريه الميري" وأدى التحية للضابط داخل السيارة، لم يرفع ذلك الضابط يده بالتحية و لم يكترث،،، فبحسب وصف جميع العساكر و أفراد الحراسة بالمديرية : فهو أكثر الضباط بطشا و سُخفًا و قدرة علي الإيذاء، مر علي تاريخ المحافظة وهو منقول من محافظه بعيده نظرا لتعسفه مع زملائه ومع المواطنين أيضاً .حرص حامد منذ أن تم نقل ذلك الضابط إلي المحافظة ألا يثير حفيظته أو غضبه بأي وسيله ،كان يتحمل ألفاظه النابية وشتائمه بكل صبر رغم ما يسبب له ذلك من الم نفسي فقط لأنه يريد أن تنقضي الأيام المتبقية بسلام حتى يستطيع إتمام "الدخلة" و إنقاذ ما يمكن إنقاذه .. اعتقد حامد إنهم في طريقهم إلي المديرية إلا أن الأقدار كانت تخبئ له مفاجأة أخري: فلقد قرر الضابط أن يصب جام غضبه وحنقه علي المواطنين في "حملة أمنيه" و علي الرغم من أن حامد عسكري مرور إلا انه لسد العجز في عدد أفراد الخدمة جري العرف ألا يتخصص أي عسكري في وظيفة معينه وكان يتم اختياره أحيانا لمأموريات بسيطة لم يمانع حامد في أدائها لأنه كان محبوبا من الجميع و لرغبته في إنهاء مده خدمته "بشهادة قدوة حسنه" وليس شيئا آخر..

ذهب السائق بالسيارة " البوكس" بُناء علي تعليمات الضابط إلي شارع خمارة الشيخ ضرغام ..

لم يمتلك ذلك الولي الخمارة بالطبع ولكنها كانت سخريه القدر مرة أخري، فبجوار ضريح الشيخ ضرغام كانت هناك خمارة صغيرة لا يعرف احد علي وجه الدقة و خصوصاً من الأجيال الجديدة من هو مالكها الأصلي و لكن يقال انه كان رجلا يهودي،، هاجر من مصر عقب قيام دوله بني صهيون ولا يُعرف إن كان قد باعها أو تركها بدون مقابل وتعاقب عليها الملاك جيلا بعد جيل. توجه الضابط لتلك البقعة خصيصا لمعرفته انه سيجد حتما سكارى ومخالفين للقانون يستطيع التنفيس عن غضبه فيهم من خلال الركل و الصفع و السباب...رغم أن حامد مُغترب عن بلدته إلا انه قد تعلق كثيرا بضريح الشيخ ضرغام الذي نسيته الأجيال الجديدة و لم يعد احد يعرف قصته علي وجه الدقة،، فقد تعددت الأساطير المنسوجة عنه و عن كراماته فبعضهم يقول انه كان قاطع طريق في العصور السحيقة هداه الله إلي التوبة حتى توفي ودفن بتلك البقعة، بينما يردد الآخرون انه قد جاء إلي تلك البلدة ماشيا علي صفحه نهر النيل من بلده أخري بعيده و حفر قبره بنفسه و دفن في تلك البقعة. ولكن الجميع قد اجمع علي كراماته "فالِورد" الخاص به مطبوع علي كُتيب رخيص يحلو لخادم الضريح توزيعه علي المارة بدون مقابل و كأنه لا يريد لسيرة ذلك الولي الطيب أن تندثر تعلق قلب حامد بالضريح الطاهر.. حفظ الوِرد عن ظهر قلب و لمَ لا؟ وهو الِورد الذي يستخدمه الأشرار و الأبرار علي حد السواء لشهرته في تحقيق المستحيلات، فمن تريد الإنجاب تقرأه ومن تريد التخلص من ضُرتها تقرأه بل إن لصوص المواشي يقرأونه قبل السرقة فتنقاد لهم المواشي بدون إحداث أي صوت كأنها مسحورة،، بل لا تراهم أعين الخفراء أيضاً ...

ما أن ترجل الضابط عن السيارة حتى أشار إلي العساكر أن تنشر وصرخ في حامد أن يحضر له ذلك السكير الذي يترنح خارجاً من الخمارة و بالفعل جري حامد وامسكه بدون مقاومه تذكر تهاوت يد وقدم الضابط علي السكير صفعاً و ركلا و سُبابا وأمر حامد أن يضعه في "البوكس" نفذ حامد الأمر و بعد أن هدأت ثورة الضابط و لم يجد أحدا آخر في ذلك اليوم شديد الحرارة أشار بيده للجميع و بالفعل ،قفز جميع عساكر الخدمة داخل السيارة وقبل الوصول للمديرية بعدة أمتار في احد التقاطعات، فاجأ السكير جميع أفراد الخدمة بالقفز من السيارة وأطلق ساقيه للريح وقبل أن يفيق الجميع من صدمتهم ، كانت السيارة قد انطلقت و لم يشعر بهم الضابط ولا السائق.

لم يدري حامد ماذا يفعل وكيف سينتهي به المطاف و لكن اقل إجراء سيكون محاكمه عسكريه و ربما حُكم علية بالحبس لهروب "المتهم" لم يشعر بنفسه إلا وهو يتمتم "مدد يا شيخ ضرغام مدد" و اخذ يردد ِورد الشيخ بشكل لا ارادي، لم يعرف ما الذي حدث كل ما تذكره بعد ذلك انه قبل دخول السيارة لمبني المديرية  بأمتار قليله، لم يشعر بنفسه إلا و هو يقفز من السيارة مهرولاً لا يعرف كيف، فقد توقف الزمن و ُطويت له الأرض و اصطدم و هو يجري بسكير آخر تفوح منه رائحة الخمر بل و يحمل زجاجه نصف فارغة في يده و بدون أي مقاومه تُذكر من جانبه، شعر وكأن يداً خفيه تدفع  بيده لتطبق علي زراع السكير و هو يقتاده إلي داخل مبني المديرية كانت السيارة قد توقفت و ترجل الضابط و هو يتحدث في هاتفه المحمول في مكالمة طويلة مولياً ظهره للسيارة و لصف عساكر الخدمة الذين ترجلوا عنها في اصطفاف كامل، في انتظار انتهاء طابور التمام... استدار الضابط صارخا:

-          حااامد ...هاتلي الكلب ده.

رد حامد وهو ممسكا بزراع السكير: تمام يا فندم، مؤدياً التحية العسكرية باليد الاخري و السكير ينظر للمشهد مُنخرطا في نوبة ضحك هستيري..

في اليوم التالي لم يدري حامد كيف انتهت إجراءات تسليم العهدة  و باقي الإجراءات، كل ما يعرفه الآن انه مُستلقي علي سطح القطار ،متجها إلي بلدته ليرتمي في أحضان زوجته المحبوبة منتظرا تحديا جديداً مُردداً: مدد يا شيخ ضرغام مدد.

-// تمت//-
مُهداه إلي روح الشيخ ضرغام

إذا أعجبك الموضوع: تابعنا باستمرار من خلال صفحتنا على الفيسبوك: مجلة لاكي  سترايك أو على تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك  | للتعليق: اضغط هنا

الاثنين، مايو 30، 2016



كان يوما عاديا تماما كأي يوم من أيام الأسبوع، مرت ساعاته ببطء زاد من وطأة الشعور به، ذلك الحر الشديد الناتج عن الموجة الحارة التي تمر بها البلاد ،لاحظت ان عم فوزي الترزي لم يفتح محله كالعادة ، لم اكترث كثيرا لذلك فربما استيقظ متأخرا،أو ربما ذهب لمشوار و الحقيقة أن الرجل لم يتأخر يوما واحدا عن مواعيد فتح المحل ،،،انشغلت في أحداث اليوم حتى مغيب الشمس،، كنت سعيدا بمغيبها فالحر فوق احتمال البشر و كنت سعيدا أيضا أن اليوم التالي هو الجمعة ،، فيمكنني الاستيقاظ متأخرا ... و... و ما أن اقتربت من منزلنا حتى شاهدت تجمع بشري ألقيت التحية فبادرني احدهم:

- البقاء لله في عم فوزي،،،،

تذكرت أنني طوال الليلة الماضية كنت اسمع صوت أنثوي يئن في أنين مكتوم، سمعته كما سمعه غيري و إن لم نعرف مصدره حتى تفقدت احدي الجارات شقة عم فوزي لان صوت الأنين كان يصدر من هناك، ففتحت لها زوجته باكية و أخبرتها انه توفي ليله أمس في سريره توافدت الجارات للمساعدة و تجمع الرجال أسفل العمارة ،، طال الانتظار عن المعتاد لم يأت احد من أقاربه أو أقاربها و الرجل ليس له أولاد ، استرجعت بشكل لا إرادي شريط ذكرياتي عن عم فوزي،، كان دمث الخلق إلى درجه كبيرة،، تكاد لا تذكره إلا عندما يفتح محله ملقيا التحية علي الجميع أو عندما تراه في يوم إجازته الأسبوعية مصطحبا زوجته في هدوء تام للخروج،، حتى زوجته لم تلفت النظر إليها قط،، تكاد لا تشعر بوجودها حتى عند نشر الغسيل لا نري سوي يدين تخرجان من فتحه الشباك لتعليق الملابس علي المنشر الصغير،،،،أفقت من شرود أفكاري علي قول احد الرجال و هو من كبار السن و المقام بالحي :

- معقوله يا جدعان الراجل داخل علي يوم بحاله ميت و الدنيا حر و لسه محدش من قرايبهم ظهر...
- فعلا غريبة أوي.
- طب شوفولنا حد من الحريم يسأل مراته هتعمل ايه.

فعلا كان شئ لافت للنظر فالرجل لم نعرف له أقرباء و ليس له أبناء  كل ما اذكره عنه انه كان دمث الخلق و لديه عادة غريبة : و هي انه ما أن يعلم بوفاة احد سكان الحي، حتى يسارع بتفصيل كفن له في زمن قياسي و يسرع به إلي أهل المتوفى و يتركه لهم دون حتى أن ينتظر ليعرف إن كانوا سيستخدمونه ام أنهم قد اشتروا كفنا و الغريب انه يتساوى في ذلك لديه الجيران المسيحيين و المسلمين فقد كان يخيط أكفانا ذات صلبانا و طرز مسيحيه ويسارع بها أيضا لأهل المتوفى دون مقابل بالطبع ،،، ربما برع في ذلك بحكم مهنته  ربما كانت لديه "باترونات" جاهزة لذلك. 

سرعان ما تواردت الأخبار أن زوجته اتصلت باخ لها و انه سوف يحضر و ان تواردت الأخبار أيضا أنها كانت تستعطفه عبر الهاتف و تتمتم بكلام غير مفهوم... فاتت الساعات و لم يظهر احد،، صاح نفس الرجل المسن مرة أخرى:

- يا جماعه ما تشوروا علينا هنعمل ايه الحر شديد و الراجل فاتت علي ليله كده.

اتفقنا فيما بيننا انه لا جدوى من التصرف ألان و تم تقسيم العمل و الأدوار فيما بيننا على أن نبدأ من الغد مبكرا قبل صلاة الجمعة: فاحدنا سيذهب لاستخراج تصريح دفن و الأخر سيحضر المغسل و الآخر سيجهز السيارة حتى نكون قد انهينا كافه الإجراءات إلي حضور أخ زوجة المتوفى والذي اعتقدنا جميعا انه سيأتي من مكان أو سفر بعيد.

و بالفعل تم انجاز كل شيء قبل صلاة الجمعة و كالعادة حدث الخلاف مرة أخري فاحدهم يشير إلى ضرورة الانتظار إلى صلاة الجمعة ليكون معنا عددا كبير من المصلين أما الرأي الآخر فقد أشار إلى ضرورة الإسراع بالدفن نظرا لطول فترة بقاء المتوفى من يوم الأربعاء إلي صباح الجمعة.

ومرة أخرى أرسلوا احدي النساء لسؤال الزوجة ماذا ستفعل و أين هي مقابر الأسرة الخ

  تمتمت الزوجة بتمتمة غريبة:
- لا ادري أنا اتصلت بالجماعة،، المهم هو يرتاح هو فقط غصن من شجرة ،، لفتت نظري تلك الكلمات الغريبة فربما كانت تعني انه مقطوع من شجرة .. أشارت الزوجة أيضا في الم مكتوم أن أخيها سيحضر وعلينا انتظاره. 

مرت الساعات بطيئة أيضا تشاغل بعضنا بتدخين السجائر والآخرين بدأوا يتأهبون لصلاة الجمعة وان توقفنا جميعا بعد أن رأينا سيارة كبيرة الحجم تشبه سيارة الإسعاف تدخل إلى الشارع و إن لم يوجد عليها أي إشارة تدل أنها سيارة إسعاف وتوقفت بعيدا عن العمارة اشرنا لها أن تقترب اعتقادا من أنها السيارة التي ستقل المتوفى إلى مثواه الأخير و لكن السائق لم يتحرك ترجل عنها ثلاثة أشخاص من اغرب الشخصيات التي رأيتها في حياتي : فقد ظهر شابان زوي شعور سوداء فاحمه جدا يرتدون خواتم ذهبيه مرصعه بحجر كريم و يحمل كل منهم في يديه شيئا يشبه صندوقا خشبيا صغيرا مكسوا بالقطيفة في نفس حجم و شكل الكتاب ولها إطار ذهبي و هم يرافقون رجلا أخر يرتدي عمامة بيضاء كبيرة جدا تلتف حول طربوش طويل جدا من اللباد الأصفر و العباءة التي يرتديها سوداء ضيقه عند الصدر والذراعيين وفضفاضة من أسفل تشبه زي حاخامات اليهود أو تشبه زيا "لطائفة المولوية" في تركيا ..تحفز الجميع عند رؤيتهم فحتما ،، هناك خطأ ما..

تقدم لسؤالهم بلطجي الحي وهو رجل قوي الشكيمة مفتول البنية و يعمل كمرشد للشرطة أيضا :
- عاوزين مين ؟

- أجاب احد الشابين غريبي الهيئة أنهم قادمون لدفن السيد فوزي.
- انتوا مين يعني ؟ انتوا يهود؟؟ولا ايه بالضبط؟
-هنا تقدم الرجل ذو العمامة و اخرج ورقة مكتوبة وهم بفتحها قائلا :
نحن من الطائفة البهائية،، جايين عشان ندفن الأستاذ فوزي في مقابر البهائيين في العباسية!!!
وده وصية الأستاذ فوزي بخط ايده وتوكيله للطائفة لدفنه في مقابرها...

كان هول الصدمة اكبر من ان يستوعبه احد تسارعت الأفكار في رأسي كنت اعرف أن مقابر البهائيين في منطقة البساتين و كنت قد قرأت يوما أن لهم مقر و مقابر في حي العباسية و لكن أغلق ذلك المقر الرئيس جمال عبد الناصر في فترة الستينات.. كل ذلك غير مهم ،، المهم هل فعلا عم فوزي بهائي؟؟؟

أفقت من أفكاري علي صراخ بلطجي المنطقة:

- تاخد مين و تدفن مين الراجل ده مسلم و شكلك كده مش مريحني علي الطلاق ادفنك هنا و سارع بشكل لا إرادي إلى إخراج مطواته من جيبه الخلفي سارع الجميع بالفصل بينهم و صاح احدهم تصريح ايه؟ عم فوزي لا بيقرا و لا بيكتب؟؟ فاكرين كنا بنقراله وصولات الكهرباء و الجوابات  يبقي كتبلك و صيه ازاي ؟

تصاعدت الصيحات من الجانبين أشار بعضهم إلي ضرورة سؤال زوجته مرة أخرى عن ذلك  شردت بأفكاري مرة أخرى في محاوله لتفسير ما يحدث: فالمرأة يبدو عليها علامات الذهول الشديد ولا يوجد ما يشير إلي أن احد من أقاربها سيظهر، لماذا انتظرت الزوجة كل تلك الفترة قبل ان نعلم بوفاته هل يمكن حقا أن يكون عم فوزي بهائيا؟؟و إذا كان ماذا نفعل أنتركه لهؤلاء الغرباء دون أن نعرف مصيره أو حتى أن نعرف من هم؟؟هل حقا كان يجيد القراءة و الكتابة و كان يدعي غير ذلك..؟

مرة أخرى أفقت من شرودي، فقد تم منع هؤلاء الغرباء من دخول العمارة .. لم يرحلوا وإنما وقفوا بعيدا يرددون كلمات ذات سجع ربما كانت صلوات و مازال الشابين يحمل كل منهما صندوق القطيفة الخاص به..مره أخري ظهرت سيارة فارهة ودخلت الشارع تبين بعد ذلك أن قائدها هو أخ الزوجة،، ترجل عن السيارة  رجل وسيم في مطلع الخمسينات تبدوا عليه علامات الثراء الشديد لفت نظري انه لم يصعد إلى شقة المتوفى وان نزلت أخته المكلومة وتنحيا جانبا بعيدا لم نسمع الحوار الدائر بينهما وان كان الغالب عليه استعطاف الأخت يقابله برود وصلف من أخيها صاح احد كبراء المنطقة:
- يا بيه إكرام الميت دفنه وأي عتاب ييجي بعدين ..

ربما ساعدت تلك الكلمات علي إنهاء الموقف الغير مفهوم و سرعان ما تم استدعاء سيارة تكريم الإنسان من المسجد المجاور ليتم اصطحاب عم فوزي للصلاة عليه في المسجد المجاور بعد صلاة الجمعة لينطلق أبناء الحي لتشيعه ودفنه في مقبرة خاصة بأخ الزوجة الثري عدنا بعدها في صمت إلى الحي و إن استمرت همهمات تظهر كل فترة في  شكل أسئلة بلا أجوبة: علي أي ديانة عاش بيننا عم فوزي؟ .. فحقيقة من دماثة خلقه وهدوؤه الشديدين لم نلحظ انه لم يصلي معنا في المسجد وإن تواجد في جميع المناسبات الاجتماعية الأخرى من أفراح وأحزان،، كانت أخلاقه العالية هي ما اجمع عليها أبناء الحي وإن اختلفوا في تحديد ديانته .

 بعد فترة أغلقت أرملته الشقة وباعت المحل ورحلت إلي مكان غير معلوم.. وبقيت الحقيقة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.


 رابط الموضوع للمشاركة:  http://goo.gl/h1g3PG

إذا أعجبك الموضوع: تابعنا باستمرار من خلال صفحتنا على الفيسبوك: مجلة لاكي  سترايك أو على تويتر أو اشترك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد على بريدك من: هنا


Searches related to البهائيين في مصر
مشاهير البهائيين في مصر
اشهر البهائيين فى مصر
من هم البهائيين في مصر
اشهر الشخصيات البهائية فى مصر
اسماء البهائيين فى مصر
البهائيين 
البهائيين من هم
اين يوجد البهائيين فى مصر
قصص قصيرة 


Premium Flexible Related Post Widget for Blogger – Blogspot

زوار أونلاين الآن


* تابعونا على الفيسبوك *

إحصائيات الموقع

enbee-world.blogspot.com.eg

إعلانات عمودية

 

 

  تصمـيم أزيـاء 

 كرم محمود


  خدمات شحن واستيراد وتصدير

  Dynamic Freight

دايناميك لخدمات الشحن 


إكسبريس فريت للشحن

اكسبريس فريت سرفيس للشحن

لاشنج - إعداد وتأمين وربط الشحنات - تخليص - نقل


عدسة عوالم منسية* نافذة على العالم *

* That '70s Show *

**أعلن عن نشاطك هنا**

**أعلن عن نشاطك هنا**

أرشيف الموقع

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زاروا عوالم منسية حتى الآن

أكثر المقالات قراءة هذا الأسبوع

*** مقالات مميزة هذا الأسبوع***

نوبة غضب على المسرح تلقي الكوميديان مايكل ريتشاردز– كرامر- من قمة النجاح إلى حافة الهاوية

إذا كنت من عشاق مسلسل (ساينفلد) العبقري، الذي كان مصدر الإلهام الأساسي لمسلسل (فريندز) الشهير، فأنت حتماً قد أعجبت بشخصية كرامر Kramer – ال...

* تابعنا باستمرار *

* إعلان إكسبريس فريت *

عندك شحنة، استيراد، تصدير؟: اضغط على السفينة

وسوم وكلمات البحث

سيارات (22) صحة عامة (22) قصص من الحياة (22) نافذة على العالم (19) English Posts (18) أحوال مصرية (18) سلطنة عمان (16) أفلام (14) قصص واقعية (13) مسقط (12) تقييم مستهلك (11) تقييم منتجات (11) شركات (11) سياحة (10) اعلانات (9) تأملات في عالم الإدارة (9) سيارات جديدة (9) قصص قصيرة (9) نصائح (9) بورنو (8) تربية (8) قصص ملهمة (8) مهارات ادارية (8) نفط وغاز (8) Advertising (7) أحوال عمانية (7) أطفال (7) الإسلام والمسلمون (7) تقييم إعلانات (7) تنمية بشرية (7) دعاية واعلان (7) قرأت لك (7) كتب (7) هجرة (7) ألمانيا (6) أمريكا (6) إعلانات (6) بترول (6) تأملات (6) ترجمة (6) رمضان (6) شركات بترول (6) فيديو (6) قضايا نسائية (6) مجلة ميكي المرئية المسموعة (6) مسلسلات أمريكية (6) يوميات مترجم حر (6) management (5) أستراليا (5) إسلام (5) تعليم (5) حوادث (5) قصة قصيرة (5) قصص العبر والحكم (5) قصص حب (5) كوميديا (5) كيف تتصرف (5) مصريون (5) موضة (5) هندسة بترول (5) AIR FREIGHT (4) CHARTERING (4) CUSTOMS CLEARANCE (4) FCL FREIGHT (4) GENERAL CARGO (4) INLAND FREIGHT (4) LATCHING SERVICE (4) LCL FREIGHT (4) PACKING (4) PART CARGO SHIPPING (4) Translation (4) leadership (4) أبراج (4) أخلاقيات (4) أفلام أمريكية (4) إسلام ومسلمون (4) إعلانات قديمة (4) إلكترونيات (4) ادارة (4) بطاقات (4) تقييم أفلام (4) توعية (4) جمارك السيارات (4) حول العالم (4) شركات شحن (4) قيادة (4) كيف (4) مؤسسات (4) مدارس (4) معلومات عامة (4) مهنية (4) وسائل التواصل الاجتماعي (4) وفيات (4) Ajit khimji group (3) Europcar (3) Product review (3) أخبار العالم (3) أخبرني_لماذا (3) أزياء (3) أمن المعلومات (3) اجتماعيات (3) اجراءات سلامة (3) انترنت (3) بروفايل (3) بنوك (3) تأمين الممتلكات (3) تطبيقات (3) تطور وظيفي (3) تطوير الشخصية (3) تطوير مهني (3) تقييم مسلسلات (3) ثقافة (3) جرائم (3) حرائق (3) خدمات مصرفية (3) دراجات (3) زواج (3) ساعات (3) سعادة (3) سوشيال ميديا (3) شخصيات (3) شرطة مصرية (3) شركات تأمين (3) قضايا إسلامية (3) كاريكاتير (3) لافتات اعلانية (3) مسئولية اجتماعية للشركات (3) مسلسلات قديمة (3) مسلسلات كوميدية (3) مسلمون جدد (3) مسلمون في الخارج (3) مناسبات (3) منتجات العناية بالأطفال (3) منوعات (3) مواقف وطرائف (3) واقعية رومانسية (3) وظيفة (3) ويكيبيديا (3) 2016 (2) Black box (2) Freelance (2) Netflix (2) Paintings (2) Software (2) أجهزة كهربائية (2) أجهزة منزلية (2) أخبار أمريكا (2) أعمال تجارية (2) أعياد (2) أعياد ومناسبات (2) ألعاب (2) أيام عالمية (2) إجراءات (2) افلام العيد (2) انشاءات (2) تأملات من واقع أخبار (2) تأمين المركبات (2) تأمين وسائل التواصل الاجتماعي (2) تاريخ إسلامي (2) تحرش جنسي (2) تحليل أفلام (2) تدخين (2) تراخيص سيارات (2) تركيا (2) ترويج (2) تصميم أزياء (2) تقنيات (2) تكنولوجيا (2) جيب (2) حب (2) حقد اجتماعي (2) حكايات مصرية (2) حكم عقلك (2) حواديت مصرية (2) حيوانات (2) خرافات (2) دبي (2) دعوة للسعادة (2) ذكريات (2) ساينفلد (2) سحر أسود (2) سفيرة السعادة (2) سيارات أمريكية (2) سيتكوم (2) شاهدت لك (2) صحة نسائية (2) عدد وآلات (2) عروض (2) علاقات عامة (2) فاشون (2) فيات (2) فيسبوك (2) قانون (2) قصص ثراثية (2) قصص دينية (2) قضايا المسلمين في الخارج (2) قوائم (2) كاليفورنيا (2) كرتون (2) كوميكس (2) كيا (2) كيا سيراتو (2) محلات ملابس (2) مراسي بحرية (2) مراوح (2) مسئولة إنسانية للشركات (2) مسلسلات كرتونية (2) مسلمون (2) مشاهدات (2) مصر (2) نتفليكس (2) نقد (2) نيويلاند (2) هولندا (2) وكالات دعاية واعلان (2) يوميات صندوق أسود (2) 2015 (1) A4 size paper (1) AccuVein (1) Ambulance (1) Anesthesiology (1) Black magic (1) CCU (1) CSR (1) Calender (1) Cardiology (1) Chest (1) Church wooden works (1) Dashboard Camera (1) Day2Night (1) Decorations (1) Dermatology (1) Diagnostic Radiology (1) Directories (1) Douby (1) ER (1) Ear studs (1) Endocrinology (1) Gastroenterology (1) Glass Painting (1) Greeting Cards (1) Home Care Medicine (1) Home decor (1) Home furniture (1) Hospital Furniture (1) Hotel furniture (1) ICU (1) Imitation Jewelry (1) Internal Medicine (1) JCopia (1) Jennifer Bricker (1) Landmark (1) Malabar Gold (1) Moto Guzzi (1) Necklace sets (1) Nexar (1) Office furniture (1) Omani Paintings (1) Recovery (1) Riviera for Skype (1) Shoba (1) Software Developer (1) Syed Hasan Abbas (1) That '70s Show (1) Themed Paintings (1) Themed Vases (1) VET (1) Wall Hangings (1) Water Color (1) Wooden floors (1) Yellow scribbles (1) bedroom (1) blood donation (1) child's bedroom (1) dash cam (1) dashcam (1) designs (1) dining room (1) gainmoneyfast.com (1) happiness (1) healthy food (1) how to be happy (1) inspiration (1) kitchens (1) living room (1) musings (1) road safety video (1) shoes (1) smoking (1) vacheron constantin (1) veinfinder (1) veinviewer (1) writings (1) آثار الإسكندرية (1) آثار مصرية (1) آداب وذوقيات (1) أحذية (1) أحمد السيد (1) أحوال الدنيا (1) أحوال العالم (1) أخبار الفن (1) أخبرني لماذا؟ (1) أدب (1) أدباء (1) أرمن (1) أضاحي العيد (1) أعاصير (1) أعمال فنيه (1) أغاني (1) أغاني أطفال (1) أغاني إسبانية (1) أفكار (1) أفلام توعوية (1) أفلام حربية (1) أفلام عربية (1) أفلام قديمة (1) أفلام مصرية (1) ألزهايمر (1) ألفا روميو (1) أمريكيون (1) إباحية (1) إدوارد مارتينيه (1) إل جي (1) إم جي (1) إنسانية (1) إيجابيات (1) إيطاليا (1) ابتكارات (1) ابحار (1) اتجاهات عصرية (1) اتصالات (1) اجتماع (1) اجهاض (1) احتفالات شعبية (1) احتفالات عمانية (1) استثمار (1) استثمار أموال (1) استثمارات جديدة (1) اسلاموفوبيا (1) اصابات (1) افلام قديمة (1) اقتصاد (1) اكسسوارات سيارات (1) الحلقات الكاملة (1) الدنمارك (1) السلامة على الطريق (1) السيدة نفيسة (1) الصين (1) الصينيون (1) العناية بالأطفال (1) المالديف (1) المدرسة اليابانية (1) المريوطية (1) النيل (1) الهند (1) اندونيسيا (1) باترول (1) بانكوك (1) براعم (1) بطاقة شخصية (1) بطولات عسكرية (1) بلاستيك (1) بوبكات (1) بيئة (1) بيبسي (1) تأجير (1) تأجير سيارات (1) تايلاند (1) تجارب انسانية (1) تجارة (1) تحفيز (1) تحقيقات (1) تدقيق داخلي (1) تذكرة (1) تسويق (1) تشارجر (1) تشالنجر (1) تغذية (1) تغيير (1) تقييم خدمات (1) تلت برش (1) تليفزيون (1) تليفون (1) تماسيح (1) توعية توعية صحية (1) توم هانكس (1) ثقافة العمل (1) جريمة (1) جوجل (1) جولة حرة (1) جوليا روبرتس (1) جيلي (1) حدث بالفعل (1) حسد (1) حفارات (1) حقول بترول (1) حلقات كاملة (1) حلويات (1) حماية من السرقة (1) خدمات (1) خدمات تسويق (1) خدمة عملاء (1) خروف العيد (1) خريف (1) خصوصية (1) داش كام (1) داون (1) دراجات نارية (1) دفع رباعي (1) دودج (1) ديليفري (1) دين (1) ذكريات قديمة (1) رحلات (1) رسم (1) روتين (1) رياضة (1) ريفيو (1) ريفيوهات (1) رينيجيد (1) زهايمر (1) ساعات g-shock (1) ساعات سويسرية (1) ستايل (1) سرقة (1) سكر وعربدة (1) سكري (1) سلامة (1) سمع (1) سنغافورة (1) سويسرا (1) سيارات إيطالية (1) سيارات رياضية (1) سيارات فاخرة (1) سياسة عالمية (1) شاحن موبايل (1) شاحنات (1) شاطئ الزجاج (1) شباب (1) شبكات محمول (1) شبكة المعلومات (1) شتاء (1) شخصيات عالمية (1) شخصيات من العالم (1) شخصيات نسائية (1) شرطة (1) شعوب العالم (1) شهداء حرب أكتوبر (1) شهر عقاري (1) شواطئ (1) شيفروليه (1) شيفروليه كروز (1) صب واي (1) صحار (1) صفحات فيسبوك (1) صناعة (1) صورة وحكاية (1) صيانة (1) صيانة سيارات (1) طابعات (1) طابعات حرارية (1) طب بيطري (1) طيران (1) عانس (1) عروض ترويجية (1) علاقات (1) علامات تجارية (1) علم (1) علم نفس (1) عمود السواري (1) عنف مدرسي (1) عنوسة (1) عيد الأضحى (1) عيد الحب (1) عُمان (1) غذاء (1) غربة (1) فرنسا (1) فن الحياة (1) فن الخردة (1) فن تشكيل الخردة (1) فن تشكيلي (1) فنادق (1) فنانون فرنسيون (1) فنلندا (1) فنون تشكيلية (1) فوائد (1) فورد (1) فوريو (1) فولفو (1) فيسكونتي (1) فيمينست (1) قانون الإضافة البسيطة (1) قبرص (1) قصة (1) قصص انسانية (1) قصص حقيقية (1) قضايا اجتماعية (1) قضايا ساخنة (1) قلوب الناس (1) قنوات أطفال (1) قوارب (1) قوارب شراعية (1) كاسيو (1) كاشف الأوردة (1) كاميرات (1) كتاب (1) كرايسلر (1) كروشيه (1) كشف الأوردة (1) كلاب (1) كلمات (1) كمبيوتر (1) كنتاكي (1) كندا (1) كورونا (1) كوفيد (1) كوكاكولا (1) كوكوواوا (1) كول سنتر (1) كونتراست (1) لغة مصرية (1) مأثورات شعبية (1) ما تفعل لو (1) مارينا (1) ماستركارد (1) ماكجيفر (1) مال وأعمال (1) مايكل ريتشاردز (1) محافظ استثمارية (1) محسن حيدر درويش (1) محمد مستجاب (1) مذكرات (1) مراسي (1) مراهقة (1) مرسى (1) مرسى الموج (1) مرسى مطروح (1) مركبات (1) مركز اتصال (1) مرور (1) مزارع أبقار (1) مسامير (1) مستال (1) مسلسلات رمضان (1) مسلسلات سعودية (1) مسلمو أستراليا (1) مشاريع (1) مشاريع عقارية (1) مشاريع عملاقة (1) مشاكل (1) مشاكل عاطفية (1) مصر زمان (1) مطاعم (1) معدات ثقيلة (1) معدات سيارات (1) معركة المنصورة الجوية (1) مغامرات (1) مقالات مترجمة (1) مقاومة الحشرات (1) مكاتب (1) مكيفات (1) من هنا وهناك (1) مهاجرون (1) مهام (1) مواقف شخصية (1) موتو جوتسي (1) موتو جوزي (1) مياه الواحة (1) مياه معدنية (1) ميركيور (1) نباتات طبية (1) نساء مسلمات (1) نظافة (1) نظريات (1) نكت (1) نمذجة معلومات المباني (1) نيسان (1) نيسان باترول سوبر سفاري (1) نيويورك (1) هاتف (1) هاواي (1) همبل عمان (1) هنود (1) واقع افتراضي (1) واقع مصري (1) ورد (1) وظائف (1) يخوت (1) يوتيوب (1) يوربكار (1) يوم المعلم العماني (1) ڤاشيرون كونستانتين (1)