استمر هطول الأمطار والرذاذ البارد أسبوع كامل .. أسبوع كامل لم تشرق الشمس ولو دقيقة واحدة باستثناء بعض المرات التي تبعت هطول السيول الهادرة وقت العصر ...
*****
فاضت الشوارع بماء المطر الذي تحول إلى طين لزج بعد اليوم الثالث .. الجو بارد قارس والبخار يخرج من أنوف الناس وأفواههم وكأنهم خيل في سباق .. برودة تجمد الأقدام والأيدي والآذان..
*****
في اليوم الخامس توقفت الأمطار قليلاً ، فانتهز الناس تلك الفرصة على حذر ليشتروا حاجياتهم وطعامهم قبل أن تعاود السماء الكرة هذا المساء
*****
أمام المخبز البلدي امتد الصف طويلا والعمل بالداخل يسري بطيئاً ، وعلى الرغم من ذلك لم يتأفف الناس ، فقد كانوا يستمتعون بالدفء المنبعث من نار المخبز
*****
وقفت إمرأة عجوز واهنة ترتدي السواد وعلى ذقنها بقايا وشم قديم في منتصف الصف ، لم تشارك الأخرين كلامهم المتوقع حول قسوة الطقس هذا الشتاء ، كانت تنظر للسماء الغائمة والسحب المسودة التي تنذر بالوعيد ، ظهر الألم على وجه العجوز الذي تغضن بفعل الزمن وهي تنظر للأعلى في قلق بالغ
*****
لحظة من الصمت قطعتها سعال تحشرج من صدر العجوز .. ثم خرج القلق على شكل كلمات أشبه بالمناجاة بصوتها الواهن ولم تزل عيناها معلقتان بالسحاب المسود : يارب النطرة تقف بقى ...كفاية بقى يارب ! ده السقف عندي بايش والدنيا غرقانة .. حتى اللحاف اتبل والرطوبة وجعتلي ركبي ... والنبي يارب كفاية بقى ..
*****
وحين سألتها النسوة عن حالها اخبرتهم أنها امرأة وحيدة تسكن غرفة حارس عقار مهترئة في أحد البنايات القديمة وانفض الصف وبعض القلوب الرحيمة تفيض اشفاقاً ، بينما اسرع الاخرون يقفزون بحذر على الطين اللزج قبل هطول المطر ، ولم ينظروا في أي اتجاه سارت العجوز
*****
وفي الصباح... استقيظ الناس - لدهشتهم - على شعاع الشمس الدافئ الذي جفف الشوارع..واختفت السحب وكأنها لم تكن .. تاركة مكانها للسماء الزرقاء الصافية وكأن الربيع جاء مبكراً ... واستأنس الناس ممن لا عمل لهم ، بسماع أصوات زقزقة العصافير من جديد على الأشجار المجاورة لبيوتهم ، بدلاً من صوت هطول المطر على اسقف الصفيح والسيارات العابرة
4 تعليق - COMMENT HERE:
دافيه رغم المطر
)"
يافندم انتي الأدفأ ..ههههه ميرسي على زيارتك الحلوة ..خطوة عزيزة ..على فكرة دي قصة حقيقية
..تحياتي
حلوة اوى
موافقة مع دنانير على انها دافية
Ma3t
ميرسي..ميرسي.. ميرسي .لكن أيضاً الدفء زي ما ينبع من القصة وبيشع من بين السطور.. ينبع كمان من روح اللي بيقرأ ..لو كان انسان متحجر وبارد . ازاي يقدر يحس بالدفئ في الكلمات و الأشياء والمواقف واللحظات والناس ؟؟ صعب مش كدة. مع تحياتي واعجابي بمدونتك
وتشريفك
إرسال تعليق